الحرب في اليمن.. الركود السياسي ومؤشرات الحسم العسكري (تحليل خاص)
- عبدالسلام قائد الخميس, 14 يوليو, 2016 - 02:33 مساءً
الحرب في اليمن.. الركود السياسي ومؤشرات الحسم العسكري (تحليل خاص)

[ الرئيس هادي وعدد من المسئولين اثناء زيارة مأرب ]

برزت في الأيام الأخيرة مؤشرات الحسم العسكري في اليمن بعد حالة الركود السياسي التي تزامنت مع محادثات الكويت، رغم محاولة الأمم المتحدة استئناف المحادثات بعد عيد الفطر، التي توقفت خلال شهر رمضان بعد مرور أكثر من شهرين على انطلاقها في العاصمة الكويتية.
 
وتأتي مؤشرات الحسم العسكري بعد أن وصلت مختلف الأطراف، خاصة الفاعلين الإقليميين والدوليين، إلى قناعة أن الانقلابيين غير جادين في التوصل إلى حل سياسي ينهي مظاهر الانقلاب، واستئناف العملية السياسية وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وأنهم -أي الانقلابيين- يتخذون من المفاوضات وسيلة لاستهلاك الوقت ومحاولة فرض واقع جديد على الأرض يرسخ الانقلاب ويمكنهم من فرض مشروعهم بالقوة.
 
تعزيزات عسكرية
 
شهدت الأيام الماضية تعزيزات عسكرية استباقية للجولة الثانية من مفاوضات الكويت من قبل الميليشيات الانقلابية مدعومة بالقوات العسكرية الموالية للمخلوع علي صالح في مختلف الجبهات، واشتدت وتيرة المواجهات العسكرية في مختلف الجبهات، خاصة جبهات نهم وميدي وحرض وتعز، رافق ذلك حملة تحريض واسعة النطاق ضد المعارضين للانقلاب عبر وسائل الإعلام ومنابر المساجد في المناطق التي يسيطر عليها الانقلابيون، وخاصة في العاصمة صنعاء، ونشر فكر التشيع بشكل واضح من خلال خطب الجمعة، والدعوة لما يسمونه "الجهاد ضد العدوان والمرتزقة وأمريكا وإسرائيل"، وجمع التبرعات لمساندة من يسمونهم "المجاهدين" في مختلف الجبهات.
 
هذه التحركات للانقلابيين، قابلها، في الجانب الآخر، تحركات مضادة من قبل الرئيس عبد ربه منصور هادي والحكومة الشرعية والتحالف العربي بقيادة السعودية.
 
فقبل أيام، وصل الرئيس هادي إلى مدينة مأرب، برفقة عدد من القيادات والأعضاء في الحكومة، وألقى خطاباً هاجم فيه الانقلابيين، وهدد بمقاطعة مفاوضات الكويت، واستكمال تحرير بقية المحافظات، وبناء اليمن الاتحادي، وأن اليمن لن يكون ساحة للنفوذ الإيراني، وغير ذلك من المفردات التي وردت في الخطاب، والتي وجهت رسائل إلى الانقلابيين بأن مشروعهم لن ينجح.
 
زيارة الرئيس هادي لمدينة مأرب تزامنت مع تعزيزات عسكرية نوعية في العدد والعتاد من قبل التحالف العربي وصلت إلى مأرب، ومن المحتمل أن تتواصل التعزيزات العسكرية تباعاً خلال الفترة المقبلة حتى يتم تحرير بقية المدن والمناطق التي يسيطر عليها الانقلابيون، بحسب تصريحات لقيادات في الجيش الوطني والمقاومة الشعبية.
 
الورقة الاقتصادية
 
وقبل أيام، هدد رئيس الحكومة الشرعية، أحمد عبيد بن دغر، بانهيار الهدنة الاقتصادية، بسبب العبث الذي تقوم به قيادات الميليشيات الانقلابية بالمال العام، من خلال مواصلة نهب الاحتياطي في البنك المركزي من العملات الأجنبية، وعدم تسليم رواتب الموظفين في المحافظات التي لا يسيطرون عليها، وخاصة رواتب الجنود، والتدخل في عمل المصارف والبنوك المحلية. وأكد ابن دغر أن حكومته لن تقبل ببيع النفط والغاز، وتوريد العائدات إلى البنك المركزي في العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الانقلابيون.
 
وفي الحقيقة، فإن الهدنة الاقتصادية المزعومة، والتي جاءت تحت ضغوط دولية، مثلت الشريان الرئيسي الداعم للانقلاب، وأطالت في عمره، ومكنته من تمويل مقاتليه، والتحكم بالقرار الاقتصادي، ونهب المال العام.
 
وكانت الهدنة الاقتصادية، التي فرضتها دولاً غربية ودوائر نافذة في الاقتصاد الدولي، قد اقتضت أن لا يتدخل الانقلابيون في عمل البنك المركزي اليمني في العاصمة صنعاء، وأن يظل البنك محايداً، وأن يتم توريد مختلف موارد البلاد إلى البنك، بما في ذلك موارد المناطق المحررة، مقابل أن يتكفل البنك بسداد رواتب مختلف موظفي الدولة في المناطق المحررة والتي يسيطر عليها الانقلابيون.
 
ورغم أن الحكومة الشرعية التزمت بالهدنة الاقتصادية منذ بداية الحرب، إلا أن الانقلابيين لم يلتزموا بها، وتسبب ذلك بانخفاض سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية إلى مستوى غير مسبوق، وذلك بسبب نهب القيادات الانقلابية للاحتياطي النقدي في البنك المركزي من العملات الأجنبية وتحويلها إلى الخارج، وطباعة كميات كبيرة من العملة المحلية بدون تأمين أو غطاء من الدولار.
 
ومؤخراً، افتعلت القيادات الانقلابية أزمة مالية غريبة وغير متوقعة، تتمثل في شح الأوراق النقدية من العملة المحلية، وخاصة فئة ألف ريال، مما اضطر بعض المصارف والبنوك الأهلية إلى وقف عملية بيع العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية بسبب عدم وجود سيولة نقدية، كما أن بعض المصارف في العاصمة صنعاء لم تستطع تسليم الحوالات الكبيرة بالريال اليمني لعملائها سواء من داخل البلاد أو خارجها، بذريعة عدم وجود سيولة نقدية.
 
ويمكن القول إن هذه الأزمة المفتعلة في العملة المحلية الهدف منها الإيحاء للمجتمع الدولي بأن الانقلابيين لم يطبعوا كميات كبيرة من العملة المحلية بدون تأمين أو غطاء من الدولار، وللتملص من تسديد رواتب الموظفين في المحافظات التي لا يسيطرون عليها، مع أنهم، في الواقع، يطبعون كميات كبيرة من العملة المحلية ويوزعونها على مقاتليهم في مختلف الجبهات.
 
موقف المجتمع الدولي
 
لا شك أن تعنت الانقلابيين في مفاوضات الكويت سيجعل المجتمع الدولي يصل إلى قناعة أن المفاوضات غير مجدية، لاسيما وأن لجوء الحكومة الشرعية إلى المفاوضات جاء نتيجة ضغوط دولية الهدف منها إنقاذ ميليشيات الحوثيين، بعد أن تقلصت مساحة المناطق التي تسيطر عليها، وأوشكت على الانهيار، خاصة بعد وصول قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية إلى مشارف العاصمة صنعاء.
 
كما أن الضغوط الدولية أجبرت دول التحالف العربي على إيقاف عملياتها الجوية، وشكّل ذلك فرصة للانقلابيين لتعزيز مختلف الجبهات بمعدات عسكرية، بعد أن كانت هذه التعزيزات تتعرض للقصف الجوي والتدمير، واتخذ الانقلابيون من مفاوضات الكويت غطاءً لتحركاتهم على الأرض، مستفيدين من موقف المجتمع الدولي المداهن لهم، والذي جاء في سياق تقارب إيران مع الغرب، وبروز روسيا كلاعب جديد في المنطقة العربية، إضافة إلى الأجندة الغربية في المنطقة، الداعمة للميليشيات الطائفية، بغرض تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، وتعزيز حالة "الفوضى الخلاقة".
 
ومن المحتمل أن يراجع المجتمع الدولي سياساته في المنطقة العربية، ذلك أن الحالة الميليشاوية الطائفية التي دعمها حيناً، وتغاضى عنها حيناً آخر، من شأنها أن توفر البيئة الخصبة لتنامي الإرهاب، وتشكل حالة "داعش" المثال الأبرز على ذلك، وأصبح الإرهابيون قادرون على تنفيذ عملياتهم في كبريات المدن الغربية.
 
وفي الحالة اليمنية، فإن تسليم البلاد إلى ميليشيات طائفية، أو الدخول معها في شراكة وفقاً لأسس طائفية مناقضة للديمقراطية، من شأنه إطالة أمد الصراع في البلاد، أو تجزئتها إلى عدة دويلات متناحرة، وكل ذلك سيشكل بيئة خصبة لتنامي الإرهاب.
 
وفي كل الأحوال، فإن المطلب الرئيسي لليمنيين هو دولة مدنية ديمقراطية حديثة، يسودها النظام والقانون، وتحقيق مطلب كهذا، سواء بالحل السياسي أو الحسم العسكري، كفيل بالقضاء على بقية المشاريع الاعتراضية، سواء كانت طائفية أم مناطقية أم إرهابية.
 


التعليقات