د. مروان الغفوري

د. مروان الغفوري

طبيب يمني مقين في ألمانيا

كل الكتابات
من فتح صندوق باندورا؟
الاربعاء, 28 ديسمبر, 2016 - 09:15 مساءً

القصة كلها:
هناك إسلام، وإسلام موازي
 
هناك إسلام الـ ١١٤ آية، موزعة على ٤٨ سورةـ كلها تدعو إلى السلم والصفح والعفو .. وإسلام آية السيف!
 
إسلام صالح للاندماج مع العالم، وإسلام مناهض لكل العالم.
 
إسلام "معالم في الطريق" لقطب، وإسلام "التسامح الإسلامي" لعمارة.
 
إسلام الفريضة الغائبة، لفرج، وإسلام دعاة لا قضاة .. للهضيبي..
 
الإسلام الذي يخرج الناس إلى استقباله بالأغاني والرقص الشعبي
 
والإسلام الذي يفر منه العالم إلى المخابئ.
 
إسلام "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده" ... وإسلام "العزلة الشعورية"
 
تخيلوا القرطبي وهو يسرد هذه القصة، آتياً بها من كتب الحديث:
 
كان النبي يمشي في مكة، وكان أهل مكة يهتفون به: مُرْ كريما، وكان يرد عليهم: جئتكم بالذبح.
 
ابحث في كتب الحديث، شاهد معركة هذا النص. الصورة الطالعة من هذا الحديث تقول إن أهل مكة خرجوا يبشون القادم، وكان يلوح لهم بالذبح!
 
ما من سيناريو، ولا مشهداً تخييلياً بإمكانه أن يهين صورة "آخر الأنبياء" مثل هذا النص.
 
الواقع أن قطب كان مثقفاً تلفيقياً ،عثر على فكرة الجاهلية لدى محمد بن عبد الوهاب، والمودودي، ثم قام بتركيبهما معاً في فكرة واحدة. لكن عبد الوهاب كان أكثر نباهة، فقد رفض إعلان الحرب على المجتمعات المسلمة والأنظمة المسلمة مستنداً إلى فكرة "الفتنة". قام قطب بتطوير فكرة الجاهلية، ورفض الفتنة قائلأ إنها تضرب الدين في مقتل. وراح يتحدث عن دوافع الجهاد بوصفها خصائص تكوينية داخل الدين الإسلامي، مستنتجاً: إن الإسلام لا يحتاج ذرائع لشن الحرب.
 
بقي المودودي في موضعه، يتحدث عن الجاهلية التي كانت بالنسبة له "المجتمع الهندوسي"، داعياً إلى التعايش معه/ معها. راح قطب بعيداً، فهو يقرر في أكثر من موضوع: المسلمون غير مسلمين. ثم يعود: ليس لهم من الإسلام سوى الإسم. ويفسّر: لأنه لا يخضعون كلياً لله. ثم يصعد أكثر فيقول: ما داموا يخضعون لأنظمة وضعية فهم ليسو بمسلمين. هنا يتفوق قطب على أكثر التنظيمات الإسلامية راديكالية. فقد كانت تلك التنظيمات، ولا تزال، تعتقد بكفر أنظمة الحكم العلمانية، وتبيح مهاجمة مؤسساتها. أما قطب فيهبط إلى المجتمع متهماً إياه بالاستسلام، والخضوع لغير الله. يضع قطب في "المعالم" شرطاً وحيداً لمنح تلك المجتمعات صفة "المسلمة": أن تثور، وتحطم النظام السياسي. يدور قطب حول هذه الفكرة في أكثر من كتاب، وتأخذ نصيباً من تفسيراته لسورة الأنعام، والأنفال، ومحمد..
 
عند البيهقي ـ فيما أتذكر ـ يجد قطب، ومحمد عبد السلام فرج، حديثاً يقول إن النبي هاجم بني المصطلق بينما كانت النساء حول الآبار والرجال يرعون الماشية، فيقتل من يقتل ويأسر من يأسر، ويسبي من النساء من يسبي.
 
المعركة بالصورة تلك تقودك مباشرة إلى جنكيز خان، وجنرالات القرون الوسطى، إلى الحوثيين وبوكو حرام وباعة المخدرات في كولومبيا... لا إلى "رحمة للعالمين".
 
لا يفعل الرجل الذي كان رحمة للعالمين مثل ذلك..
 
الاعتداء على حقيقة الدين، على طبيعته، على جاذبيته وصورة نبيه موجود داخل المرجعيات الإساسية التي يستند إليها التعليم الديني، وهي أكثر ما يفقده حرارته ومعناه.
 
كان قطب خائناً لثقافته. فعندما كتب أبو الحسن الندوي "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين" راح قطب يكتب مقدمة مبجّلة للطبعة العربية. يعتمد الكتاب على فكرة إن الله اختار العرب ليكونوا أهل خاتم الأنبياء لأنهم كانوا الأمة الوحيدة ذات القدر من الحرية واالاستقلال والأخلاق الجماعية الباقية، مقارنة بباقي الأمم. يثني قطب على تلك الفكرة، ثم سرعان ما ينقلب عليها عندما يذهب هو للتأليف..
 
يتناسى قطب مقدمته تلك ويذهب منفرداً، منقلباً على ذاته، للكتابة حول نشأة المجتمع المسلم ليشن هجوماً عنيفاً على أمة العرب بآنئذ، واصفاً إياها بالانحطاط الشامل، متحدثاً عن نظامها القيمي المتهتك، حتى إنه قال إن العرب كانوا يدخلون العشرة والعشرين رجلاً ليمارسوا الجنس مع امرأة واحدة!
 
وهم قوم عنترة الذي قال:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي
حتى يواري جارتي مأواها!
 
لقد أهان قطب تاريخه، وأمته، ثم دينه، وفتح صندوق باندورا، فخرجت الشياطين وملأت العالم. كان بندورا أميراً منح صندوقاً وطلب منه أن يبقيه مغلقاً. لكنه خالف التعاليم وفتح الصندوق، كما يقول النص الشهير لهيزيود في "الأعمال والأيام"، القرن الثامن ق. م . تخرج الشياطين كلها وتحدث الفوضى..
 
يبدي البغدادي إعجاباً شديداً بسيد قطب، كما يقول رجاله. وليس غريباً أن أدبيات الحركات الإسلامية الجهادية تستند، كلياً، إلى كتابات سيد قطب. فسيد قطب هو من ابتكر مقولة: إن الدعوة لم تعد تكفي في هذا الزمان، ولا بد أن نفتح لها الطريق بالسيف!

هناك إسلام، وإسلام آخر.. الإسلام الذي نعرفه، ونحبه، ونبشر به، إسلام آبائنا الطيبين، ونسائنا الطيبات..
 
وإسلام جئناكم بالذبح، الإسلام الذي يقسم العالم إلى مجتمع طاهر، وجاهليات.. ثم يقرر: لا مكان للالتقاء بينهما.
ربنا يسهّل..

*من حائط الكاتب على فيس بك

التعليقات