امتداد 11 من فبراير
السبت, 11 فبراير, 2017 - 08:12 مساءً

   شكلت ثورة فبراير ظاهرة فريدة في تاريخ اليمن المعاصر،  ذلك أنها كشفت وللمرة الأولى عن العلل المزمنة التي كانت تقف مانعة لحدوث التغيير المنشود الذي يسمح بانتقال اليمن الى انموذج الدولة العصرية المؤسسية.
 
إنها العلل ذاتها التي أرادت ثورة سبتمبر 62 القضاء عليها، غير أن طبقة من أصحاب الامتياز التاريخي وبفعل تحالفاتها العتيقة في إطار المركز استطاعت التقليل من تأثرات  سبتمبر 62 والاحتفاظ بوجودها وامتيازاتها بإسلوب مختلف.
 
لقد بدا واضحا للعيان لحظة فبراير أن ممانعة التغيير التي تبدو جلية في مناطق الشمال وإن كان مصدرها النظام ورغبة التوريث إلا أنها في الأساس تنبع من تحالفات عميقة لبيوتات عتيقة وشبه غامضة جميعها ترفض انتقال السلطة  الى ما سوى المركز خوفا على زوال مصالحها وامتيازاتها التاريخية. 
          
وكانت قد عملت هذه التحالفات الخفية طوال فترات الجمهورية وعقودها على تجذير الصراع والخصومة بين أطياف النخب الجمهورية فيما عدا المركز. وذلك لضمان استمرارها على الهامش، بعيدا عن جوهر المشكلة والتغيير المنشود.
 
وما إن لاح فجر ثورة فبراير حتى أرسل صالح في قبائل الطوق حاشرين،  فلما وقفوا عنده ماثلين خاطبهم قائلا(!ن انتقلت السلطة من صنعاء فلن تعود اليها بعد ألف عام، وجميع مصالحكم ستذهب سدى).  
                      
 هكذا لخص المشكلة التاريخية في أحد وجوهها الأكثر بؤسا، فيما كان وجهها الآخر الأشد سوداوية وحقدا على الجمهورية والجمهوريين يتشكل في كهوف صعدة وعمران وصنعاء وأروقة الأسر المقدسة.    
 
 تلك الأسر التي كانت تستعد منذ فترة كبيرة لاستعادة الإمامة والبطنين.   
              
هاذان هما وجها المشكلة اليمنية إن جاز التعبير، وما لبثا بالفعل أن اجتمعا في تحالف مستميت ضد انتقال السلطة واكتمال مشروع التغيير.
 
 هذه هي حقيقة المعركة التي يخوضها اليمنيون اللحظة مع المليشيات الانقلابية.
 
 إنها معركة مصيرية بين إرادة شعب يفتش عن مستقبل منشود بين الأمم ورغبة طائفة تتطفل على مقدراته طيلة قرون.
                                    
كان مما تميزت به فبراير أنها كانت سلمية وعفوية وتلقائية لم تستطع النخبة التحكم بها وضبط ايقاعاتها رغم محاولة تحويلها الى أزمة بين طرفين، كما لم يستطع النظام تحويلها الى حرب أهلية.
ولعل هذا هو ما أغرى المليشيات الحوثية بالثورة حيث ظنت أن بمقدورها كمليشيا مسلحة تحييد وظيفة التغيير جانبا وإضافة الفعل الجماهيري لمشروعها السلالي.
               
 ونتيجة لذلك صارت تفتح المجال للسياسات الايرانية لتصدير ثورتها الطائفية ووجها القميئ الى اليمن والمنطقة.
 
سارع تحالف المليشيات لفتح المجال للسياسات الايرانية لتصدير ثورتها الطائفية الى اليمن، وسقطت صنعاء في يد المليشيات، وارتفعت نبرة التطييف، وزادت وتيرة العنف، وأعلنت طهران دخول صنعاء في حلفها رسميا.
 
   كان ذلك خبرا صاعقا لكل يمني وعربي على السواء، هذا الأمر لم يعد محتملا، فالمسألة تدخل الآن في طور آخر من الصراع والحرب والتحدي. 
 
  لقد بات هذا التحدي الكبير  يهدد الوجود اليمني والقومي العربي على الحقيقة.
 
  هكذا كشف الوجه الخفي للمعضلة اليمنية التاريخية القناع عن نفسه بكل جرأة.   
                                                                                                                                   إيران لا تزال تنظر الى اليمن جزءا من نفوذها التاريخي وتسعى بكل وسيلة لاستعادة نظام الإمامة في اليمن باسلوب جديد كفرع من نظام ولاية الفقية.
 
 كان مجلس التعاون الخليجي وبتنسيق مع الأمم المتحدة قد دعم  ارادة الشعب اليمني في التغيير من خلال المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وهو مسلك تغييري آمن.
 
غير أن سياسة إيران أرادت أن تعرب عن نفسها وتدخلاتها السافرة بأصوات المدافع والدبابات، فأوعزت الى مليشياتها بتفجير المعركة وتقويض الانتقال السلمي، فتطايرت شرارة النار لتصل الى كل مكان. 
 
 لقد صار الواقع الآن مختلفا جدا عما سبق.
 
  الحكومة الشرعية والرئيس الشرعي من سجناء لدى المليشيات الطائفية، الى مطاردون في شوارع عدن بعد أن ساعدتهم الأقدار على الخروج من صنعاء، غير أن المليشيات مصممة على احراق اليمن كلها.    
 
كان لا بد من تدخل اجرائي لانقاذ اليمن، وهكذا ولد التحالف العربي بقيادة المملكة للانتصاف لقضية اليمن ونضالات أبنائه.                                                 
 
إنه ليس تحالف حرب ضد ايران ومليشياتها في اليمن فحسب، ولكنه انقاذ فعلي لليمن من معضلتها التاريخية بوجهيها الطائفي والمناطقي.   
 
  إنه في الواقع تتويج عربي لمشروع فبراير التغييري،  وهو انتصار عملي لإرادة الشعب اليمني العظيم. 
 
 

التعليقات