تداعيات غير معلنة لحرب اليمن
الخميس, 09 نوفمبر, 2017 - 02:01 صباحاً

مكابرة سعودية تنكر وجود صاروخ بالستي في صنعاء يمكنه اصابة الرياض عبر اتهام طهران، لكنها في نفس الوقت ترسل طاعون الموت والجوع الى صنعاء.
 
اثار الصاروخ البالستي الذي بلغ مداه ازيد من 1000 كيلومتر، لغطاً فيما إن كانت ايران زودت حلفاءها الحوثيين تلك الصواريخ، التي اصبح مؤكداً انها بمقدورها بلوغ اهداف في الامارات، او ان نظام صالح امتلك تلك الصواريخ بالفعل.
 
وللعلم كانت السعودية على اطلاع بمعظم صفقات التسليح القادمة لليمن، غير انها لم تكن لتسمح بامتلاك اليمن منظومة صواريخ يتجاوز مداها 500 كيلومتر، يمكنها تهديد العمق السعودي. خصوصاً وان العلاقة مع اليمن تظل ملتبسة وغائمة.
 
ورث نظام صالح عدد من الصواريخ البالستية الروسية التي كانت بحوزة نظام اليمن الجنوبي الاشتراكي قبل الوحدة. وكانت موسكو تضمن بها تفوق لحلفائها في الجنوب على نظام الشمال الاقرب الى المعسكر الراسمالي.
 
وفي النصف الثاني من تسعينيات القرن العشرين، عقد نظام صالح بشكل سري صفقات مع كوريا الشمالية لشراء صواريخ بالستية. ويبدو ان نظام صالح استفاد من التجربة العراقية في تطوير منظومة صواريخ روسية قديمة. وبعد تدهور نظام صدام حسين في العراق استقطبت صنعاء عدد من الخبراء العراقيين لكن الامر لم يتوقف عند ذلك، فقد كشفت وسائل اعلامية عن ارسال كوريا الشمالية مهندسي لتطوير صواريخ بالستية.
 
ومن المؤكد ان السعودية لم تكن لديها معلومات وثيقة لهذا النشاط. ظلت صنعاء تستورد صواريخ كورية شمالية من نوع هواسونج، وهي صواريخ روسية من نوع سكود طورها النظام الكوري الشمالي.
 
في عام 2003، اعترضت البحرية الامريكية المتواجدة في بحر العرب والبحر الاحمر سفينة سوسان الكورية الشمالية كانت متجهة الى اليمن حاملة منظومة صواريخ هواسونج. وبحسب المعلومات كان عددها 15، وهي واحدة من دفع حصلت عليها اليمن خلال سنوات من نظام بيونغ يانغ المحظور دوليا باعتباره نظام مارق عن الاسرة الدولية.
 
وطالب صالح وقتها الملك السعودي عبدالله الذي ارتبط به بعلاقات جيدة مقارنة بالملك فهد وامراء الاسرة المالكة المؤثرين. وتدخل الملك السعودي حينها لدى واشنطن من اجل السماح لصنعاء باستلام منظومة الصواريخ. ورأت الرياض ان مدى الصواريخ لا يشكل تهديداً على العمق السعودي، حيث اكد صالح ان الصواريخ البالستية يحتاجها نظامه للدفاع عن اي تحرش اريتري. حينها تحدثت الاخبار ان مدى الصواريخ لا يزيد عن 400 كيلومتر.
 
بمعنى ان تقنية تطوير الصواريخ شهدت تطوراً، مقارنة بالتقنية التي استخدمها النظام العراقي.
 
وهذا النشاط التصنيعي تمارسه ايران عن كثب، حيث ان مجموعة صواريخ شهاب، هي تطوير لصواريخ كورية شمالية، مطورة في الاصل.
 
كما ان دول عربية استفادت من الخبرة الكورية الشمالية في تطوير منظومة صواريخ بالستية مثل مصر، سوريا كذلك اليمن.
 
ولم يكتف نظام صالح بالاعتماد على مهندسن كوريين شماليين لتطوير الصواريخ، بل استفاد في تدريب عسكريين يمنيين، اصبحوا يمتلكون خبرات هندسية. ولهذا السبب قامت السعودية بقصف كلية الهندسة العسكرية الاحد الماضي، باعتقاد انها منطقة العمليات السرية لتطوير الصواريخ البالستية او نشاط مقارب.
 
بررت الرياض اجراءات غلق الموانئ اليمنية والمطارين المتقيين في عدن وسيئون لنقل المسافرين من اليمن او الى اليمن، رغم انهما تحت سيطرة قوات التحالف، ان ايران تزود الحوثيين بالصواريخ.
 
وتسبب هذا الاجراء بكارثة لليمنيين مع اختفاء الوقود من الاسواق، وتضاعفت اسعاره بالسوق السوداء. اضافة الى ارتفاع جنوني في اسعار المواد الغذائية، اضافة الى ارتفاع طفيف باسعار الخبز. ويضاف هذا الى معاناة انسانية يعيشها اليمنيون مع الخراب الذي تسببت به الحرب.
 
انه امر اشبه بالمكابرة، حتى لا تعترف بفشل، كيف لم تكن تدرك ان نظام صنعاء يمتلك منظومة الصواريخ البالستية. بل ان الاستخفاف شبه العالمي ازاء منظومة صواريخ قديمة او قصيرة المدى، خلال العقود السابقة، اصبح مروعاً، ليظهر تحذير فرنسي بمحاربة انتشار الصواريخ البالستية، خصوصا وان تكنولوجية تطويرها اصبحت سهلة وتمتلكها دول فقيرة، لا تستطيع عقد صفقات بمئات الملايين من الدولارات لشراء منظومة صواريخ متطورة، كما ان قوننة عالمية تحرم على كثير من الدول امتلاك اسلحة حديثة.
 
ورغم ان صنعاء ارسلت صواريخ سابقة بلغ مداها جدة والرياض، الا ان كثير من الصواريخ التي استهدفت مشيط خميس ومناطق اقرب لم تتمكن بطاريات باتريوت التي تمتلكها السعودية اعتراضها، لهذا ارادت الرياض شراء منظومة ثاد الامريكية. ولأن واشنطن ظلت تؤجل هذا الالحاح لتطوير تكنولوجيا دفاعات السعودية الصاروخية، قام الملك سلمان بتوقيع اتفاقية مع موسكو للشراء منظومة صواريخ اس 400 الروسية والحديثة جداً.
 
والمفاجئ ان الصاروخ الذي بلغ الرياض، تمتع بدقة عالية ودرجة من التمويه اكد ثغرة عسكرية في منظومة الدفاع الجوية والصاروخية التي تمتلكها السعودية، رغم انها واحدة من اكبر الدول في العالم انفاقاً على التسليح.
 
يعتقد البعض ان الرياض تواطئت من اجل وصول الصاروخ اليمني الى الرياض، لتسهيل عملية اعتقالات واسعة اشرف عليها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لأمراء ومجموعة واسعة من رجال الاعمال ضمن خطوة لتمكين سلطته القادمة. لكن الامر ليس بتلك السهولة، اذ يعكس صدمة لدولة اعلنت منذ اليوم لدخولها الحرب في قيادة تحالف عربي تتقاسمه بالمحاباة مع دولة صغيرة مثل الامارات، في كونها امتلك الجو والبحر والبر اليمني وقيدته عن التصرف.
 
هناك شيء يبعث على السخرية السوداء، حيث تمطر قذائف طائراتها دون ان يبرأ منها المدنيين والاطفال والنساء. وفي نفس الوقت، تبدو المدن والموانئ التي سيطرت عليها قوات يمنية يشرف عليها التحالف، تغرق بالفوضى، فلم تكن المخا جاهزة لمباشرة اعمالها كبديل منتظر لميناء الحديدة، ولا يبدو ان هناك نوايا مع تغول ادارة صبيانية تقودها الرياض وابوظبي، وفي المقابل خيبة مريعة لرجال هادي وحكومته الغارقين في ميوعة حياة رخوة توفرها فنادق فخمة، وعطايا خلقت منهم دمى لا تمتلك واقع التصرف او الرؤية لمباشرة مسئولياتها على الارض.
 
هناك مصفوفة من الباعة في محفل مزادات تضج بأمراء النفط، وتلك اليمن على رعونة نخبها وتهافت سياسيون حديثي العهد ومخضرمين، يتوزعون كقفازات لحرب تديرها دول اقليمية وقوى عالمية.
 
بينما يتعرض اليمنيين للذبح اليومي، فإن لم تكن بطائرات السعودية، بقذائف الحوثيين وصالح، او بعمليات ينفذها ارهابيو القاعدة وداعش.
 
ومن سخرية الاقدار ان صاروخ بالستي يضع اليمن كسجن تعلنه الرياض، وبموافقة العالم، بينما امراء الحرب في صنعاء وعدن والرياض وتلك العواصم الموزعة هنا وهناك يزيدون ثراءاً. وسواء اتى الصاروخ من ايران للحوثيين، او انه ضمن التركيبة العسكرية لنظام صالح؛ ما ذنب 28 مليون يمني ان يدفعوا ثمن الموت والفاقة والدمار لتحتفل قفازات صغيرة بثروات سوداء. لكني نسيت سؤالاً: هل الرياض اعتمدت على معلومات من قادة عسكريين ورجال هادي بأن صنعاء لا يمكن لها ان تمتلك تلك الصواريخ دون تلك الذراع الايرانية المشبوهة في المنطقة.
 
او ماذا؟

*نقلا عن صفحة الكاتب بالفيسبوك.

التعليقات