الدولة والميليشيا في اليمن
الثلاثاء, 05 ديسمبر, 2017 - 09:27 صباحاً

افتقرت اليمن إلى جيش نظامي مؤسسي بعيداً عن صفة الميلشيا أزماناً مديدة منذ أن رحل العثمانيون عن اليمن عقب الحرب العالمية الأولى وتسليم السلطة التنفيذية بعد السلطة القضائية إلى أيدي الهاشمية السياسية "الأئمة" فكانت تعتمد على جحفل القبائل في إخماد الحركات التحررية والتمردات القبلية عن طريق استدعائها لتنفيذ مهام مُزَمَنَة بانتهاء التمرد أو الثورة وتعود أدراجها حاملة معها ثقال الغنائم "والفيد" دون إلحاقهم بسجلات الدولة كعساكر مستحقي الرواتب الشهرية.
 
  فكانت جيشاً للإمامة خارج نطاق الدولة، حيث لم يعتمد نظام الأئمة على جيش نظامي مؤسسي عدا بعض الوحدات الرمزية شبه العسكرية لا تكاد تذكر.
 
حتى قيام ثورة ال 26 من سبتمبر1962م عن طريق خلايا عسكرية ومدنية بداية، ثم تم تشكيل ألوية عسكرية منظمة وفقاً للتشكيلات العسكرية الحديثة بقوامات وملاكات عسكرية متعارف عليها في هياكل أنظمة الجيوش الحديثة حينها، قامت تلك الألوية بمهامها جسيمة أثناء خوض المعارك ضد فلول الإمامة باحترافية ومهنية عالية، تحت قيادات شابه من مختلف أنحاء اليمن وبالأخص المناطق الجنوبية، تعز إب الضالع وأبين والبيضاء يوقد الحماس نيران الثورة تحت أقدامهم وفي قلوبهم، يَشُفهُم حب الوطن بذلوا دمائهم وقدموا أرواحهم بصبرٍ جميل وعن طيب خاطر.
 
تم تثبيت دعائم الثورة بكسر حصار السبعين يوماً بعد أن أطبقت قوى الملكية مسنودة بقبائل طوق العاصمة وغيرها من قبل شمال الشمال بحوالي 60 ألف مقاتل يقودهم المدرب الفرنسي جيلبير بورجيو الملقب بــــ"بوب دينار" ومدرب حشودهم وجنودهم.
 حتى كادت أن تسقط الجمهورية واشتد الكرب وبلغت عند الناس القلوب الحناجر وفرار رئيس الجمهورية عبدالرحمن الارياني وحكومته إلى تعز وفرار كثير من القيادات العسكريه إلى الخارج تحت ذرائع متباينة منها العلاج والبحث عن السلاح لا داعي لذكر الأسماء لأن بعضهم لا زالوا أحياءً يرزقون.
 
 كُسِر حصار صنعاء بفضل الحشود الثورية القادمة من تعز و إب والحديدة والبيضاء ومأرب وبعض المناطق اليمنية الأخرى حتى التحمت بالقوات المرابطة داخل صنعاء للدفاع عنها، والتي قاتلت قتالاً لم يشهد له التاريخ مثيل، وما إن انتهت الحرب حتى عادت القيادات الهاربة وبدأت تسعى لجني ثمار النصر دون حق، حدث الصراع بين الثوار المنتصرين والهاربين، تم تدمير الوحدات العسكرية النظامية وإفراغها من ضباطها وأفرادها المحترفين وإحلال محلهم ميلشيات مختلطة من القبائل التي قاتلت مع وضد الجمهورية، ميلشيات بهياكل عسكرية بلباس جمهوري لا تفقه من معاني الثورة والنظام الجمهوري شيء سوى المعاش والاعطيات.
 
ظل الجيش اليمني طوال فترته جيش القبيلة وقبيلة الجيش حتى بداية تأسيس الحرس الجمهوري في النظام السابق والذي بنيَّ بناء مؤسسي حديث خالي شكل الميليشيا إلا أن حقيقة تشكيله المناطقي من مناطق بعينها في اليمن ظل قائماً وبارزاً للعيان بدليل انحيازه الى صف المرحوم صالح وقتاله تحت راية الحوثي بعد الأحداث الأخيرة ومحاربته لليمن واليمنيين في كل المدن.
 
واليوم مصطلح الميليشيا صار هو المصطلح الشائع والأعم الذي يطلقه كل طرف من الأطراف المتصارعة على الآخر، وتلك حقيقة وإن لم تكتمل فهي الغالبة في التوصيف.
 
ميليشيا الحوثي طوال تمردها حتى اقتحامها صنعاء بتسهيل من الجيش الميليشيوي ومن خان معهم من القبائل والمشايخ، أصبحت تطلق على نفسها جيشاً وعلى الجيش الذي سهل دخولها صنعاء ميليشيا، ولا زالت تتصرف كميليشيا لعدم اكتسابها صفة الشرعية كدولة وجيش نظامي كامل الهيكلية والقوام، أما الرئيس السابق صالح قائد الجيش اليمني بات يُنعت بقائد الميليشيا المتمردة على كل وسائل الاعلام الحوثية رغم ارتدائها الزي الجمهوري الرسمي للدولة، لأن حقيقة صفة الميليشيا كانت نائمة تحت "الميري" الذي كانت تخلعه حيناً لتلبس "الزنة" وحيناً آخر تخلع "الزنة" لترتديه من جديد، وفقاً للضرف والتوجيهات ومقتضيات الحاجة والحدث.
 
 ختاماً لن تستقر اليمن إلا ببناء جيش وطني حقيقي من كل ربوع الوطن دون تميز، بعقيدة عسكرية تحمل هم وطموح تحقيق أهداف ثورة 26 من سبتمبر، وهم الدفاع عن سيادة الوطن وثورته ومكتسباته في كل المدن أولاً، والولاء لله والوطن ثانياً، ومبني وفقاً لتشكيلات وهياكل عسكرية حقيقية حديثة، ومعاشات كافية وعيش كريم تنعكس وجدانياً على حب الوطن والتضحية في سبيل استقراِره وأمنه.

التعليقات