د. مروان الغفوري

د. مروان الغفوري

طبيب يمني مقين في ألمانيا

كل الكتابات
صباحان
الثلاثاء, 30 يناير, 2018 - 09:41 صباحاً

صبيحة سقوط صنعاء تبادل الحوثيون/ الهاشميون والمؤتمريون، المقيمون في الخارج، رسائل التهنئة. كانت بعضتلك الرسائل تصلنا بالخطأ. نرى الآن، من وقت لآخر، الوجوه التي كتبت رسائل التهنئة. صاروا يتحدثون عن الكارثة التي حلت باليمن يوم سقوط صنعاء. لا نذكرهم باحتفالهم في ذلك اليوم، فلن يفيد شيئاً، ولا أي شيء. فالذي لم يكن مفيداً في الماضي لا تستخدمه في المستقبل. إن فعلت ذلك فستجد النتيجة نفسها: ستنهار قواه العقلية، خياله وحساباته، عند أقرب مشكلة مركبة وسيفشخك من جديد.
 
صبيحة يوم سقوط صنعاء غطت الصحف الإيرانية الحدث مستخدمة العبارات نفسها التي ستسخدمها وسائل الإعلام الإماراتية في تغطيتها للأحداث في عدن "ثورة الشعب، المقاومة، الشعب، حكومة هادي والإصلاح الفاسدة، الحوار الوطني". حتى الجملة الأثيرة "تم تأمين البنك ومؤسسات الدولة" نقلها الانتقاليون كما هي من قاموس الحوثيين صبيحة سقوط صنعاء.
 
بعد وقت قصير قتل الحوثيون أو شردوا كل من احتفل معهم في ذلك اليوم، باستثناءات بسيطة. تتخيل العصابات الدولة انطلاقاً من حسابها الفوضوي. فالعصابات، بخلاف الأحزاب، لا تخرج من الدستور بل تكتبه، ولا تستند إلى القوانين بل تسنها. تسوي المجال، مجال كل شيء، بالأرض ثم تعيد إعماره على عجل بطريقة بدائية لكنها شديدة الإحكام والعنف. لا يمكنك أن تركّب دولة على كتفي عصابة. الجذور المؤسسة للعصابة لا يمكن أن تحمل معماراً معقداً وضخماً كالدولة. قلنا هذا الكلام يوم سقوط صنعاء، وها نحن نعيده اليوم، ونكرر: ما أظرف الحمقى لو كثرتهم.
 
منتصف نهار ذلك اليوم، يوم السقوط الكبير، وصلتني رسالة غاضبة من فتاة عرفت بنفسها قائلة: أنا متعلمة، والدي دكتور في كلية الطب، لسنا حوثيين. مررت اليوم بنقطة حوثية في شارع القصر فانحنى المسلحون لي قائلين"تفضلي يا أختي، تفضلي يا أختي" ولم يرفعوا بصرهم إلى عيني.
 
أتذكر أني قلت لها جملتين. الأولى "هكذا هو سلوك العصابات، تنحني للمرأة بعد أن تقتل زوجها". وعندما ردت غاضبة وجدتني أقول لها: بالصحة والهنا حبيبتي.
 
تعتمد السعودية على الاستراتيجية نفسها: إشعال النار في كل دول الجوار حتى تحس بالدفء والأمن.
 
لا توجد دولة عاقلة تفكر بهذه الطريقة. النيران التي عملت على إشعالها منذ الثورة، ١١ فبراير، حتى الآن حولت السعودية إلى دولة مارقة، سيئة السمعة. وفوق كل هذا، لم تعد السعودية دولة تخيف أحداً. لقد جعل منها الحوثيون مسخرة عابرة للحدود والإثنيات. لحظة "عسيري" الكبيرة، وهو يعلن انطلاق عاصفة الحزم قائلاً: سيطرنا على الأجواء في ١٥ دقيقة، ما عاد يتذكرها أحد. ثمة حقيقة بديلة ومتينة: ثلاثة أعوام من الحرب على حدود مديرية كتاف!
 
لن تنجو السعودية من مساهمتها في الحرب في اليمن. ذلك ما كانت تطمح إليه إيران: أن تشتبك السعودية في حرب، بصرف النظر عن مرجعية تلك الحرب، وتخرج بوجه ملطخ بالعار والجريمة.
 
تقع صعدة، جغرافياً، داخل الأراضي السعودية. هي بروز جبلي متوغل في السعودية أكثر منه في الأرض اليمنية. ومع ذلك فلم تستطع السعودية حتى الآن، ومعها كل شيء حتى الكعبة، كسب المعركة في صعدة. لا تزال صعدة تقاتل ببسالة وقوة. صحيح إن المقاتلين في صعدة يتبعون جماعة دينية إرهابية، لكن السعودية أيضاً ليست جزءاً من النظام الأخلاقي العالمي. السعودية لم تأت استجابة لطلب الرئيس اليمني، بل هي من كتب ذلك الطلب، فهز هادي رأسه. بالنسبة لنا لم تكن لدينا خيارات أخرى، وجعلنا نردد: Give it a shot. وحصلنا على ال"shot" على نحو مختلف.
 
لا يزال اليمن قيد التفكك، ستعمل السعودية والإمارات على مزيد من تفكيكه. ذلك أن السعودية لا تعرف ماذا تريد، والإمارات تعرف ماذا تريد.
 
حتى في الجنوب ستظهر مشاريع تفكيك جديدة. الإمارات هي الكولونيالية الجديدة، وقد جدت أرضاً وصفها أحد مستشاري حكومة أبو ظبي ب"تكاد تكون خالية من السكان". لا تريد الإمارات شيئاً ينغصها في الجنوب، في الأرض التي تقول إنها بلا شعب، أو بمايكرو شعب. لديها حزمة حيل كفيلة بخلق الهدوء الذي يحتاجه المستعمر في تلك الأرض مترامية الأطراف.
 
*من حائط الكاتب على فيسبوك

التعليقات