أعلن رسميا ترشحي لرئاسة الجمهورية!
الاربعاء, 14 مارس, 2018 - 08:45 صباحاً

عرس حقيقي عاشته القاهرة، تجمعات وهتافات في كل مكان، صور المرشحين الاثنين لانتخابات الرئاسة على السيارات والجدران واللافتات واليافطات. عرس انتخابي حقيقي ومشوق.
 
كان ذلك في حزيران/يونيو 2012 وكان التنافس على أشده بين محمد مرسي وأحمد شفيق في مشهد لم يعهده المصريون من قبل، ولا من بعد، على ما يبدو الآن من أوضاع مصر وهي تستعد لانتخابات رئاسية لا علاقة لها البتة بتلك الأجواء الصاخبة والمثيرة قبل أكثر من خمس سنوات.
 
كنت أخوض مع المرحوم محمد حسنين هيكل في مكتبه وسط القاهرة في رهانات هذه الانتخابات الرئاسية غير المسبوقة التي ما كان للمصريين أن يعيشوا حلاوتها لولا ثورة 25 يناير 2011 التي أزاحت مبارك من السلطة بعد ثلاثين عاما. زرته هذه المرة ليس لترتيب لقائي التلفزيوني المعهود معه وإنما للسلام وتجاذب أطراف الحديث والاستفادة من كم المعلومات والخلفيات عن انتخابات الرئاسة في مصر وحظوظ المرشحين وتوقعاته بالنتيجة وما الذي يراه من تحديات تنتظر هذا المرشح أو ذاك في حال فوزه.
 
«ما رأيكم يا أستاذ هيكل، لو قدمت نفسي لانتخابات الرئاسة في تونس؟؟» سألته هكذا دون تمهيد أو مقدمات قبل أن أضيف بأن «البعض من أصدقائي اقترحوا علي ذلك وأردت أن أستنير برأيكم في هذا الشأن… قالوا لي أنت مذيع معروف في قناة شهيرة لا أحد ينكر فضلها في الدفع بقضية الحريات في البلاد العربية ومناصرة التغيير وقد يشكل كل ما سبق رصيدا انتخابيا جيدا»…
 
نظر إلي بعيون متأرجحة بين المفاجأة والاستغراب مع ابتسامة خفيفة يحاول بالكاد إخفاءها «إسمع يا محمد بيه (كما كان يحلو له أن يسميني)… هناك فرق كبير بين الشهرة والقدرة. صحيح أنت مذيع معروف ولكن هذا ليس كافيا لتحمل أعباء سياسية كبرى بجسامة منصب رئيس الجمهورية».
 
سكت قليلا ثم أضاف: «لا تنس أيضا أن ظهرك عار تماما، أنت غير مسنود من أي قوة يقرأ لها حساب، بمعنى ليس وراءك حزب كبير يدعمك، ولا جيش أنت مرشحه، ولا مراكز نفوذ مالية واقتصادية كبرى ستكون حريصة على أن ترعى أنت مصالحها، ولا قبيلة أنت عزوتها، ولا شيء من ذلك أبدا».
 
ويواصل الأستاذ هيكل «وقبل ذلك وبعده، لقد تجاوزت الخمسين ومن الصعب أن يبدأ المرء مسيرة سياسية في هذا العمر لأن هذه المسيرة عبارة عن معترك يبدأ مبكرا في الجامعة ثم الأحزاب والنقابات فتنضج مع الأيام وتعدد المواقع والمسؤوليات حتى إذا وصلت الأمور للرئاسة استفادت من عصارة كل ما سبق (…) أتعلم أن أغلب مصائبنا في مصر تعود إلى أن مبارك، تبوأ منصب الرئاسة بعد الخمسين ودون أي تجربة سياسية سابقة فكان أن عانينا معه ما عانينا».
 
استمعت إليه إلى النهاية دون مقاطعة أو تعقيب ثم قلت له مبتسما «سعيد جدا بكل ما قلتموه وسعيد أكثر أنكم أخذتم ما قلته لكم على محمل الجد فتكبدتم عناء الرد على المشورة التي طلبتها منكم، مع أني لم أكن جادا فيها على الإطلاق. أردت فقط استفزازكم بما قلت وسعيد أني نجحت في ذلك». ضحكنا وواصلنا ارتشاف فنجان القهوة.
 
تذكرت هذه المحادثة الجميلة مع الأستاذ هيكل للوقوف عند مفارقتين كبيرتين، تتجاوز ما قلته مزحا عن ترشحي للرئاسة، فهذا أبعد شيء عن ذهني تماما وينسحب عن الحياة السياسية برمتها التي أفضل أن أبقى مراقبا لها بحكم عملي الصحافي لا مشاركا فيها بأي شكل من الأشكال. المفارقتان هما: الأولى ما عاشته مصر في تلك الفترة من أجواء انتخابية حقيقية مشوقة مقابل ما تعيشه الآن من انتخابات رئاسية باهتة ومنفـّـــرة، أما الثانية فهي استحضار ما قاله الأستاذ عمن يدخل معترك السياسة بعد الخمسين فإذا كان قد وصف ما جرى مع مبارك بالمعاناة لهذا السبب فبماذا يمكن أن يصف الآن ما يحدث مع السيسي؟!
 
المفارقة الأولى مؤلمة حقا لأنها سلبت المواطن المصري حق الاختيار الحر والناضج لمن يتولى مقاليد الرئاسة في بلده بعد أن كان منتشيا باستعادة هذا الحق بعد عقود من استفتاءات رئاسية صورية وانتقال للرئاسة لا دخل له فيه من عبد الناصر إلى السادات إلى مبارك وجميعهم من المؤسسة العسكرية. كان مرسي أول رئيس مدني منتخب لمصر لكن لم يكتب لهذه التجربة المتميزة أن تتواصل وعادت الانقلابات لتحسم الأمور عوضا عن صناديق الاقتراع.
 
المفارقة الثانية أن نقيصة دخول عالم المسؤوليات السياسية الكبرى بعد الخمسين، وقد آلت مع الرئيس مبارك إلى ما آلت إليه، تبدو منذرة بما هو ألعن بكثير مع السيسي. وإذا كان مبارك مدركا لمحدوديته لذلك كان قليل الكلام فإن السيسي على عكسه تماما، لذلك راكم ويراكم مجموعة من اللقطات محل تندر لا يليق لا بمصر ولا برئيسها. ترى ماذا كان يمكن للأستاذ هيكل رحمه الله أن يقول عنه الآن وهو من سانده وتوسم فيه خيرا؟!!

* عن القدس العربي

التعليقات