أزمة صواريخ
الجمعة, 30 مارس, 2018 - 02:45 صباحاً

قال ناطق التحالف العربي لشبكة سي إن إن الأمريكية إن تهريب إيران الصواريخ للحوثيين في اليمن يبدأ من الضاحية الجنوبية في لبنان ثم يتم نقلها عبر سوريا، إلى إيران ومن ثم يتم إرسالها عن طريق البحر بواسطة ما يسمى القارب الأم، أو السفينة الأم، إلى اليمن، ثم تصل ميناء الحديدة.

والمعروف أن التحالف مسيطر على البحر، ولديه قوة بحرية متواجدة في البحر الأحمر، وإذا ما أخضعنا حديث ناطق التحالف للواقع فيبدو الأمر أيضا يشكل هزيمة أخرى للسعودية، فرحلة السلاح بالطريقة التي ذكرها تمتد على طول مسافة بحرية طويلة، فهل من المعقول أن تسافر شحنة سلاح كهذي كل تلك الأميال البرية والبحرية دون أن يكون هناك أي دور استخباراتي أو ملاحي لتحالف يتكون من عدة دول في تتبعها؟

تدريجيا تتحول صواريخ الحوثيين إلى ما يشبه أسلحة الدمار الشامل التي كان يتهم بها صدام حسين ونظامه.

إن إيران سيئة وليس مستبعد أن تهرب السلاح، وقد هربته من قبل للحوثيين في العام 2012 وجرى التحفظ على السفينتين الايرانيتين جيهان واحد واثنين في عدن إبان تولي حكومة الوفاق الوطني، وللاسف فإن الحوثيين الذين تواطأت السعودية معهم في العام 2014م حتى أسقطوا صنعاء، هم من أفرج عن طاقم تلك السفينة من سجون الأمن القومي في صنعاء.

بالعودة إلى اتهامات طهران بالتورط فيبدو الأمر حتى اللحظة مجرد ادعاءات بدون أدلة، ويفتقد لأدلة ملموسة مؤكدة.

فمن ضمن الأدلة التي يتحدث عنها التحالف احتجاز البحرية الأمريكية والأسترالية والفرنسية لعدد من السفن المحملة بالأسلحة وهي في طريقها إلى اليمن في وقت سابق، وتفاصيل تلك السفن لم يكشف بعد عن محتواها، كما أن وجود هذه الدول الثلاث في المياه الدولية يثير الاسئلة ايضا عن كيفية اختراق إيران لها وتمكنها لاحقا من ارسال الأسلحة للحوثيين.

ومن الأدلة ايضا العثور على أسلحة وعليها نصوص باللغة الفارسية، وكانت هذه التهمة محل سخرية من الايرانيين، بل ومن محللين كثيرين، وكتب صحفي هندي مستقل في صحيفة بيونير الهندية اليوم بسخرية مثيرة عن اعتماد الملصقات على الصواريخ كدليل.

مع العلم أن السعودية نقلت حطام الصاروخ الأول الذي أطلقه الحوثيين على مطار الملك خالد في الرابع من نوفمبر 2017 الى البيت الأبيض لإثبات تورط إيران، وعرضته مندوبة واشنطن على أعضاء مجلس الأمن، معتبرة أن تلك الصواريخ فعلا جاءت من إيران، ومنذ ذلك الوقت أخفقت السعودية وامريكا في اتخاذ خطوة ملموسة تجاه إيران، بل إن مجلس الأمن فشل في توجيه التهمة لإيران بعد اعتراض روسيا بسبب عدم كفاية الأدلة.

بل إن مجلس الأمن في بيانه الصادر أمس لم يتطرق للدور الايراني في تزويد الحوثيين بالصواريخ، واكتفى والإدانة والتنديد، رغم أن السعودية وجهت رسالة أشارت فيها إلى إيران بالإسم، واتهمتها بكل وضح بتزويد الحوثيين بالصواريخ.

إيران ردت على الاتهامات بتزويد الحوثيين بالصواريخ بإنكارها ونفي تورطها، وطالب سفيرها في الأمم المتحدة السعودية للدخول في حوار مع الحوثيين، معتبرا أن الحوار السياسي هو الحل الأفضل للصراع في اليمن.

هذا الرأي الإيراني الذي يرى بأن الحل هو الحوار يتطابق أيضا مع رؤية أمريكا وما صرح به وزير دفاعها قبل أسبوع بأن الحل لابد أن يكون بعيدا عن الحرب، وهي نفس رؤية بريطانيا وغيرها من الدول.

الرد السعودي على هذه المطالب كان في تصريح ثلاث شخصيات، الأول محمد بن سلمان والذي قال بأن بلاده أصبحت بين خيار سيء وأسوأ، وان الحل السياسي ايضا وارد، وهذا الحديث لا يعني سوى الاستجابة للضغوطات المستمرة لإنهاء الحرب، اما في الحقيقة فإن أنهاء الحرب في اليمن بناء على الحل السياسي، فيعني ذلك هزيمة كبيرة للسعودية، و انتصار واضح لإيران.

اما الرد الثاني فكان من وزير الخارجية السعودي عادل الجبير حين أكد أن الدخول في حوار سياسي ممكن لكن شريطة تخلي الحوثيين عن رغبتهم في السيطرة على كامل اليمن.

أما الرد الثالث فكان عبر ناطق التحالف حين قال بأن الحوار ممكنا ولكن عبر الاستناد للمرجعيات الثلاث المعروفة، وهي المبادرة الخليجية ومؤتمر الحوار الوطني والقرار الأممي 2216.

السخرية هنا أن ناطق التحالف قال بأن تدخلهم في اليمن جاء بطلب من الرئيس هادي وأن التحالف لديه هدف واضح من العمليات العسكرية وهو إعادة الحكومة الشرعية اليمنية والمعترف بها لدى المجتمع الدولي، وهذه هي الحجة التي يرفعها السعوديين والاماراتيين مع كل حديث عن حربهم في اليمن.

غير أن هنا يظهر مدى التناقض بين ما يصرح ناطق التحالف وبين الواقع، فلا الشرعية تمكنت من العودة إلى المناطق المحررة، ولا السعودية وحلفاؤها أثبتوا توجهها الفعلي في إعادة الشرعية، ولعل تقرير فريق الخبراء الأممي يوضح الصورة أكثر في حديثه بأن اليمن كدولة أوشكت على الاختفاء بعد تآكل سلطة الحكومة الشرعية.

من الواضح أن الوضع يتجه نحو مزيد من التصعيد على خلفية الصواريخ الأخيرة، وهذا التصعيد ربما يشمل المنطقة كلها، فحديث ناطق التحالف عن تورط لبنان وسوريا في المساعدة بايصال السلاح للحوثيين، هي إشارة واضحة للدول التي لديها علاقات مع طهران وباتت محسوبة على الحلف الإيراني.

في أمريكا تتشكل إدارة جديدة تكن الكراهية لإيران، وفي أبريل القادم سيحين موعد مراجعة البرنامج النووي الإيراني، فهل تشكل كل هذه الأحداث مجموعة مبررات لواشنطن للانسحاب من البرنامج النووي الإيراني، أم أن هناك تصعيد قادم سيتخذ صورا أخرى.

ما يبدو ملفتا هو التراخي السعودي هذه المرة، فبعد إطلاق الصاروخ الأول للحوثيين على مطار الملك خالد، ردت السعودية بإغلاق المنافذ اليمنية، وإعلان حصار ميناء الحديدة، وتسببت خطوتها هذه بحملة إعلامية وإنسانية شرسة طالتها وانتقدتها على إغلاق ميناء الحديدة، بما في ذلك الأمم المتحدة، واضطرت جراء ذلك للتراجع، وسمحت بتركيب رافعات جديدة بدلا عن تلك التي دمرتها، لكنها هذه المرة ردت بأنها تحتفظ بحق الرد، وهذا يشير إلى أن حملات النقد والضغط دفعت السعودية لمراجعة موقفها، وعدم معاودة الحصار، رغم أن منظمات كثيرة تؤكد أن الحصار لازال قائم، ورغم حديث السعودية مرة أخرى أن ميناء الحديدة هو المنفذ الرئيسي لإستقبال الحوثيين للسلاح المهرب من إيران.

المؤكد أن السعودية اليوم تجني حصاد ثلاث سنوات من غياب الرؤية تجاه ما يجري في اليمن، ففشلها في إعادة الشرعية للداخل، والتعطيل المتعمد للحكومة في المناطق المحررة، التقاعس الحاصل في عملية التحرير، كل ذلك جعلها تدفع كلفة باهظة حاليا.
 

التعليقات