عبدالله احمد علي .. و جنون الحزبية
الإثنين, 02 أبريل, 2018 - 10:56 صباحاً

يصاب الكثير من الدعاة والمفكرين بتحولات نفسية حاده في مراحل التغيرات السياسية والثورات الشعبية الاجتماعية والعلمية تحت ضغوط عوامل عدة، منها الوقوع تحت تأثير الإغراء المادي أو تحول القدوة عن المبادئ التي كان ينشرها ويمليها على أتباعه ثم ارتد عنها، أو فقدان مصالحه ومكانته الاجتماعية، أو ضبابية الرؤية وعدم قدرة المتحول الفسيولوجية على استيعاب مستجدات العصر ومقتضياته.
 
ظاهرة تقلُب نفسية تعرَضَ لها الكثير من الحزبيين وصلت حد الجنون، من شباب ومدرسين وأكاديميين وعلماء وسياسيين منهم  أعضاء مجلس نواب أصبحوا حبيسي بيوتهم أو سجون الدولة والمصحات النفسية. نعرف الكثير منهم ولا داعي لذكر الأسماء تجنباً للحرج و مراعاة لمشاعرهم وذويهم. 
 
كل ذلك نتيجة للضغوطات الحزبية القاسية التي تمارس على القواعد والقيادات أحياناً والمنهجية الخالية من روح الدين السمح والمشاعر الإنسانية الصادقة. والإرهاب الذي يمارسه المتسلط ضد الرافض أو المتمرد على تلك الأوامر والقيود. خوفاً من العزلة التي قد تمارس ضدهم من قبل الحزب وإطلاق التهم وعبارات التشويه تصل حد اتهامهم بالرذيلة والإتجار بالمخدرات والشيوعية!! أو الجاسوسية لصالح أطراف أخرى أو الانتماء إليها.
 
  التحرر من قبضة التحجر الحزبي والتشدد والغلو في الخطاب المتخشب في كل مجال، غاية كل فرد وجماعة في كل حزب سياسي أو جماعة أياً كان شكلها وخطابها، ولا يتأتى ذلك بسهولة ويسر ما لم يمتلك الفرد أدوات مهمة منها القراءة الواسعة، والاحتكاك بالمجتمعات المتقدمة، والتحدث بلغاتهم ومعرفة تجاربهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية مع الحفاظ على الأسس الدينية والأخلاقية. 
 
أدوات افتقدها الكثير من الدعاة اليمنيين ونعذرهم لافتقارهم لتلك الخصائص والأدوات نتاج حتمي لنشأتهم في بيئة ونظام حكم حرمهم من كل ذلك.
 
بينما الأمر مختلف تماماً أداءاً وفهماً تنظيماً وتعايش وتقبل للآخر عند مؤسسي الحركة الإسلامية في تونس، على سبيل المثال لا الحصر، راشد الغنوشي وعبدالفتاح مورو الناطق باللغة الفرنسية والألمانية والقارئ لثقافات الشعوب الأوروبية وتجاربها في كل مجال. داعيةٌ حديث الفكر طليق العقل وصادق التوجه والخطاب. عندما نقرأ كتاب الدكتور عبدالحميد أبو سليمان أزمة العقل المسلم وهو من كبار قيادة حركة الاخوان المسلمين، ندرك فعلاً أن هناك أزمة نفسية نجدها عند الكثير ونحسها في كتاب السيد قطب معالم في الطريق الذي عكس أزمته ومعاناته النفسية شديدة التعقيد بسبب ظروفه الصحية والأسرية، والكل يعلم ضروف الوحدة الفردية والعزلة التي عاشها سيد رحمه الله وتبرأ مما ورد في كتابه الدكتور يوسف القرضاوي قبل عشرين سنة من اليوم ومن افراطه في الخصومة وخروجه عن واقع الحال والمآل. وغيرهم كُتَّابٌ كُثُر ألفوا كتباً، ثم اعتذروا عن آراء طرحوها وتراجعوا عنها.
 
استمعت لخطاب المدعو عبدالله احمد علي حول ثورات اليمن وتضحيات شعبه، و كان ذلك أمام حشد غير معلوم التوجه والهوى، وتداوله الكثير من الناشطين. الخطاب يثير السخرية والضحك في آن، حيث نعت الثورة وثوارها بالفساد والهمجية والتفسخ الأخلاقي وأنه جاء ضمن حركة للانقلاب على ثورة 26 من سبتمبر كونها ثورة جاهلية لم تنتج إلا زيد وعمر من الناس وكأن الثورة أشخاص وليست حركة اجتماعية تغيرية شاملة!
 
 يبدو أن الرجل لا يعي معنى الثورة وتناسى أنها قامت ضد حكم كهنوتي اعتبر اليمني عبداً ذليلاً خلقه الله محكوم له وألة قتل تقاتل في سبيل نصرته، وتناسى أنه لولا تلك الثورة لكان هو شخصياً "رعوياً" يحرث الأرض بمصطلح المشايخ أو "زمبيلاً" في مصطلح السلاليين، او راعٍ للغنم أو بائعاً لفاكهة الموز في أفضل أحواله، ولَمَا اعتلى كرسي مجلس النواب وركب السيارة الفارهة وسكن أحسن المساكن يزينها سرراً مرفوعة وأكواب موضوعه ونمارق مصفوفة، ولما وصلت الطرق إلى كل فرع وقرية من قرى اليمن وأريافه.
 
 نَعَتَ ثورة 26سبتمبر ورموزها الوطنية بأقبح الأوصاف على راسهم الحمدي، وأياً كان الحمدي لسنا بصدد الدفاع عنه لأنه رحل بما يحمل ويملك. الإشكالية الكبرى تكمن في رواسب الحقد التي يعاني منها الرجل والتي طالت حتى قيادات حزبه مذ كان مديراً لمعهد الجند ولم يسلم من لسانه أحد وهو خطيب جامع وداعية إلى الله. ذكر الحمدي بما يجرح كل ذاكرة وطنية تحمل ذكرى للرجل وأنه كان لا يصحو من السكر وشاعت في عهده الفاحشة والفساد!! وما يختزله التاريخ والذاكرة اليمنية أن الحمدي كان وطنياً مخلصاً أحبه الفقراء والمغتربين والمزارعين لأنه كان يعيش همهم ومعاناتهم بينما كان مشايخ القبائل وأعداء الثورة والانتهازيين يُفصِّلون أكياساً لنهب الثروة والثورة على حدٍ سواء بعيداً عن الشعب البائس الفقير.
 
يا سيدي الشيخ، صلاة الفجر وصيام النهار وقيام الليل إذا فعله المرءُ فلنفسه ولا يتعداه إلى ما سواه.  المواطن لا يرى غير أمنه من الخوف وشِبَعِهِ من الجوع وعيشه الآمن في ظل دولة تحميه وتتبنى العدل والقانون والخدمة التي سيقدمها له الآخرون، أياً كان لون الحاكم وتوجهه الايديولوجي وحزبه لأنهم جربوا زيف الشعارات وفنتازيا المسوخ. فضحت أقرانك يا شيخ عبدالله وأثَرت بين الناس السخرية والحزن والحسرة معاً لأن كل ما ماضيك والأحداث التي مرت لم تغير في تعاطيك مع القضايا الوطنية التكتيكية والاستراتيجية، وأحزنت الكثير ممن دفع بك إلى أن تكون ممثلاً لهم في المجلس التشريعي لزمانٍ طويل.

التعليقات