فيصل علي

فيصل علي

إعلامي وأكاديمي يمني.

كل الكتابات
الإفطار السياسي
الأحد, 27 مايو, 2018 - 12:28 صباحاً

"عندما نشعر بالخوف فهذا دليل جهلنا، فلو عرفنا ما فيه الكفاية لما شعرنا يوما بالخوف".. إيرل نايتنجيل
 
تحتاج المؤسسات والجهات و الشخصيات الاعتبارية و القطاعات المختلفة وحتى الحكومات لحملات العلاقات العامة لتحسين صورتها أمام المجتمعات، و تستغل كل تلك الجهات المناسبات العامة لممارسة هذه الحملات، الأعياد الدينية و الوطنية من أهم المواسم التي تقام فيها تلك الحملات، بالإضافة إلى شهر رمضان وهو أطول مناسبة دينية عند المسلمين و يعد من أهم المواسم الدينية التي أنعكست على المجتمع واستهدفته بالتغيير فالصوم عبادة تحسن السلوك الإنساني لتوصل فاعله إلى التقوى شكلاً و مضموناً، فهي تهذب الروح و السلوك معاً.
 
ليست الدول الإسلامية وحدها من تستغل هذا الموسم لحملات العلاقات العامة، حتى الدول غير المسلمة تستغله أيضاً، قادة دول العالم يستغلونها ويبعثون الخطابات لتهنئة المسلمين بهذه المناسبة العظيمة.
 
السفارات الأجنبية تقيم مآدبَ الإفطار الرمضاني في كثير من عواصم العرب و المسلمين، في رمضان 2014 حضرت مأدبة أقامتها السفارة الأمريكية بصنعاء قبل الانقلاب المشؤوم، دُعيت و معي العديد من الزملاء الصحفيين و غيرهم، كان السفير يتحدث بلطف و يبتسم و البوفيه المفتوح فيه ما لذ وطاب، كان يعلم أنه مهما قالت لسانه فإن سفرته تقول أكثر، لا يخفى عليه و على سفارته أن من فطر صائماً فله مثل أجره، لم يكن هناك شيئاً يدعو للإزعاج غير التفتيش الدقيق على بوابة السفارة و هو إجراء روتيني مبالغ فيه، في النهاية قدمت السفارة دعوة و أجيبت و أدت الحملة غرضها؛ نخبة المجتمع ممتنون للسفارة والسفير جزاه الله خير.
 
 كان الرئيس السابق علي صالح يقيم المآدِب في رمضان ويدعو النخب التي تذهب لالتقاط الصور وهي تصافحه هذه الصور كانت تبث عبر التلفزيون الرسمي، لم أحلم يوماً بهذه المصافحة التي لا تعنيني، وعندما عاد رئيس التحرير في واحد من الرَمَضانات الأربعة التي قضيتها في صنعاء من تلك المقابلة مزهواًً وعد أحدهم أنه سيأخذه معه العام القادم، كان الأستاذ الرعوي طيباً وودوداً وهو يتحدث عن الرئيس صالح، ومع ذلك لم أتشوق لزيارة فخامته في مثل هذه المناسبة.
 
 رمضان عندي لحظة هدوء و تأمل، و أفضل وقت للهدوء هو وقت الإفطار، فإذا ذهب الهدوء في تلك اللحظات ضاعت الليلة و غرقت اللحظات في الفوضى و العبث، لا أدري من أين أكتسبت هذه الفكرة لكنها تأتي في كل موسم رمضاني، و لذا أجنح للسلم و السلام و الهدوء، ليس رمضان عندي شهر ولائم و لا عزايم، و مع ذلك أجيب الدعوات بتذمر غير معلن ستضيع لحظات الإفطار و الهدوء و السكينة و أنا أتحدث و أستمع لأحاديث؛ كيف حالك؟ و كيف رمضان معك؟ ...الخ
 
تمنيتُ مراراً أن أدفع ثمن الدعوات لأصحابها ليتم إعفائي، لكنها مسألة غير مجدية، و خاصة مع وجود نص أؤمن به يقول صاحبه عليه الصلاة والسلام: "وإذا دعاك فأجبه"، باءت كل محاولاتي بالفشل من الهروب وهكذا في كل موسم أعِد نفسي للموسم الذي يليه.
 
روى لي صديقاً أن مجنوناً كان يقف بعد صلاة المغرب و يحدث الناس بلطف و الناس ينتظرونه ليقول كلمته - حباً فيما سيقول- و في ليلة رمضانية حدثهم أنه في الزمن الماضي "كان لنا عيدين نحتفل بهما الأول في وسط رمضان و الثاني بعد انقضائه"  فاستغرب الناس من حديثه وسألوه ما هو العيد الذي يتوسط الشهر الكريم فقال: "عيد ثورة 26 سبتمبر" فضج الجامع بالضحك من قوله.
 
 في رمضاننا هذا صادفت العشر الأول منه عيد 22 مايو، العيد اليتيم الذي حدثتكم عنه سابقاً "22 مايو.. يتيماً"  لقد تحقق قول المجنون إياه وصادف رمضان عيد أوله وسيكون آخره عيد، لكننا لم نحتفل كما قال المجنون، لأسباب فنية تعود إلى ثقب في الذاكرة اليمنية، و نسينا أيام الشمولية والتشطير، ربع قرن من الزمن إلا عامين جمد فيه الجنوب على قاعدة الماركسية الحمراء و توقفت الحياة فكان القتل و السحل و العذاب و تخفيض الراتب واجب، و في الشمال كانت الشعوذة قد توصلت إلى أن الحزبية خيانة للوطن ثم صارت حراماً، نصف الوطن مجمد و النصف الآخر فوضى و قبيلة و قات و لا شيء أخر.
 
أقامت السفارة اليمنية في كوالالمبور مأدبة إفطار جاء على هامشها ذكرى عيد الوحدة، تذكرت ليلتها أستاذي الدكتور لقاء مكي العزاوي الذي قابلته ذات ليلة في منزل مشرفي في الماجستير أستاذي و شيخي الدكتور حسن النجار في بغداد 2003، وحدثنا عن تدريسه في قسم الإعلام بجامعة عدن، وكان مما قاله و تبقى في ذهني أن المطبخ اليمني فقير و أن الخراف اليمنية ضعيفة نحيلة مثل الكلاب، و ليست كخراف بغداد التي تكاد تنفطر أجسامها من كثرة الشحم و اللحم، فهمت ساعتها أن مراعينا قاحلة، لكني لم استصغ وصفه للمطبخ اليمني بأنه فقير، تذكرت المطبخ اليمني في تعز و صنعاء غنياً ومتنوعاً، لم أكن أعرف المطبخ العدني بعد، لكنه بالفعل مطبخ فقير والدليل على ذلك هو إفطار السفارة الذي نقصه إظهار المطبخ اليمني بشكل حضاري ثقافي دعائي، هذه ليست دعوة وليمة و لكنها دعوة علاقات عامة يفترض أن تظهر اليمن بشكل لائق وتظهر التنوع في الأطباق بشكل ملفت، المشكلة الأكبر بحسب تصوري هي قلة الماليزيين المدعوين للإفطار و كثرة اليمنيين، يعني كأننا رجعنا نستهدف جمهورنا بدلاً من استهداف جمهور البلد المضيف.
 
كنت أتمنى أن يحضر رجال السياسة و الإعلام الماليزيين و أعضاء السلك الدبلوماسي في السفارات الموجودة في كوالالمبور، والغرض هو تذكير العالم باليمن و القضية اليمنية، لا يوجد إفطار بدون هدف و بدون حملة،  في 2010 أقامت هذه السفارة حفلاًً مهيباً في فندق الماريوت وسط العاصمة كوالالمبور، و حضر سفراء العالم مازلت أتذكر السفير عبدالله المنتصر  و هو يمسك بيد السفير الياباني و يعلمه الرقص الصنعاني على إيقاع فؤاد الكبسي، أقدام سعادة السفير كانت تروي تراث اليمن بطريقة لطيفة، أجاد سفير اليابان البرع اليمني و هذا هو المطلوب.. اليمن حاضرة، و حضارة اليمن موجودة.
 
 حدثتني صديقة طيبة أنها لم تعد تكره رمضان بل تمقته!! قلت لها مش معقول أنه في أحد يستثقل رمضان الحبيب راجعي نفسك يا مزة اللهم إني صايم، قالت أنها لا تجد وقت للمراجعة، اللهم امنحها وقتاً إضافياً و إلا حتى شوط إضافي لتجد الوقت.
 
 ليست هي وحدها من تمقت رمضان فقد أخبرني صديق أصلع أن من حكمة الله أن رمضان شهر واحد و ليس شهرين متتابعين مثل ربيع أول و ربيع ثاني و الجمادين، قلت له و أنا أنظر لصلعته على راحتك، و بيني و بينكم لم تعد لديَّ طاقة للهراء فالحياة  صارت معي قطاف فقط.
 
المطبخ اليمني ليس فقيراً و رمضان في بلد الشفوت استثنائياً، الشفوت في صنعاء الحبيبة مدعم بالرمان، وصار الشفوت اليوم مدعم بالتفاح و أنواع الفاكهة بحسب الذوق، اليمن مطبخ العالم، الشرق و الغرب يأكلون الملوح و المندي اليمني و السلتة صارت أكلة دولية.
 
ربما نحن لا نحسن التدبير و لا تقديم اليمن و ثقافتها الغذائية للآخر، الأكل ثقافة و حضارة و تنوع و ليس إشباع البطن فقط، تحسين وجه اليمن عبر الملوح و القهوة كفيل بتغيير كل تصورات العالم عنا، لكن لمن نقول..

التعليقات