المثاليون الساخطون
السبت, 21 يوليو, 2018 - 10:27 مساءً

 لو عادت توّكل كرمان إلى اليمن، ثم تنكرت بثياب مجهولة وخرجت ليلا تجوس في القرى، تحمل صُرر الدقيق على ظهرها وتتفقد أحوال المساكين ثم توزعها عليهم سرّا، كما كان يفعل الخليفة عمر تمامًا، لو فعلت ذلك، ثم اكتشف المثاليون أمرها بعد أيام، لن يقولوا: رضيّ الله عنك أيتها السيدة العظيمة، بل العكس هو ما سيحدث، فمباشرة ستتعالى أصواتهم الناقمة وسوف يرددون تهمًا مثالية قائلين: إن توكل تتجسس على الناس وتستغل أوضاعهم البائسة؛ لصالحها. وإذا ما سألت أحدهم: ما هي هذه المصالح التي تهدف توكل لتحقيقها..؟ سيقول لك: إنها تحاول استثمار بؤس الناس لأغراض الدعاية الإنتخابية، وإن ذلك فعل غير أخلاقي..!؟
 
حسنا، هؤلاء هم المثاليون في الزمان والمكان الخطأ، أقوام كسالى لا يطعمون جائع ولا يأوون مشرد، ينامون طوال الوقت ولا يهتمون لحال أحد وإذا ما جاء شخص؛ كي يقدم مساعدة للبائسين، يستيقظون، منصبين أنفسهم حرّاسًا للقيم الإنسانية، ثم يبدأون معركة الدفاع عن كرامة البؤساء المهملين، يفعلون ذلك بحجة أن من يساعدهم، يجرح كرامتهم ويحاول استغلالهم لأهداف خفية. وأما كيف يحاول استغلالهم سيقولون لك إن ذلك يحدث عن طريق صورة مطبوعة على شعار المؤسسة التي تقدم لهم المساعدات. ويا لها من مثالية عدمية تفطر أكباد الإبل..!
 
عزيزي المثالي الساخط: لسنا أوصياء على مشاعر الناس ولا حرّاسـا على ضمائرهم فمن حق البشر أن يميلوا لمن يخدمهم إذا ما اقتنعوا بذلك، هذا بخصوص مزاعم الدعاية الإنتخابية التي تقوم بها مؤسسة توكل، وأما مسألة جرح كرامة الناس؛ فليس الشعار هو ما يجرح كرامة الجوعى، بل بقاءهم مكشوفين للذل والحاجة هو ما يسحق كرامتهم ويجعل حياتهم بكاملها منذورة للفناء.
 
ثم لو أنك غيور على حالهم كما تزعم؛ لفعلت مثل ما يفعل خصمك ونافسته بالمثل ثم نزلت للميدان؛ كي تحرس حياة الناس من التفكك والإندثار. في حالة كهذه ستكون ملاحظاتك مقبولة، وفيما عداها فلست أكثر من مدمن نقمة يحاول اثبات تواجده بطريقة مثالية فارغة، لا تشبع جائع ولا تحرس قيمة ..!
 
باختصار: لا نقول كلّ الناس، إنما الغالبية العظمى من المعترضين على شعار مؤسسة توكل كرمان الذي يظهر عليه صورتها، لا يتمثل اعتراضهم على الشعار بقدر ما يغيظهم حضورها المتمدد كلّ يوم، لا يثورون من أجل كرامة الناس؛ إنما نقمة ممن يساعدهم وتحسسًا من فاعليته في الميدان. تلك الفاعلية المتنامية هي ما تفضح هزالهم فيهيجون ضدّها، وسواء قدمت توكل مساعدات للناس أم لم تقدم ففي الحالتين سيجدون ما يعترضون عليه، فهم قوم لا يقدرون على الفعل ولا يريدون من أحد أن يفعل، لا حضور لهم ويخشون من حضور الأخرين، ولا مهمة لهم سوى احتراف النقمة والدفاع عن إنسانيتهم الخاملة، تلك التي تفتقد لمنطق الفعل وخيار المنافسة، وتكتفي بالسخط الدائم والكلام الذي لا يطعم أحد..!
 

التعليقات