الحرب تطال الأدوية
الاربعاء, 25 يوليو, 2018 - 11:42 مساءً

اليوم أعلنت الحكومة الشرعية في عدن أنها وافقت على قرار نقل الهيئة العليا للادوية من صنعاء إلى عدن.

كثيرون ربما لا يدركون ما معنى هذا الكلام وما تأثيراته الاقتصادية، وما الذي ينبني عليه.

الحكومة الشرعية تدير معركة نزال مع الحوثيين اقتصاديا، لكنها للأسف لا تستطيع تقديم شيء يمكن الوثوق فيه، أو تثبت أنها عند مستوى التحدي، ومهيأة لمثل هذه الأعمال.

قرار نقل الهيئة لعدن معناه الشكلي سحب البساط على الحوثيين اقتصاديا في هذا الجانب، لكن على المستوى الفعلي والواقعي لا يعني سوى ضخ الفوضى لهذا القطاع، وتدمير الصناعة المحلية وتجارة الادوية.

هيئة الادوية مهمتها مراقبة الصناعة المحلية والاشراف على استيراد الادوية الخارجية، كل دواء يصنع محليا لا تصدر الموافقة عليه إلا من هذه الهيئة، وكل دواء يتم استيراده تتم الموافقة عليه اولا من هذه الهيئة.

ومع تدهور الوضع الأمني في عدن والنفس المناطقي الرافض لكل شمالي، فإن المشاكل أمام سوق الدواء سوف تتضخم، ويجد المصنعين المحليين والمستوردين غير قادرين على التعامل مع السوق، خاصة إذا امتدت يد الحكومة الى الخارج وخاطبت الشركات الموردة للمواد الخام أو الادوية بعدم التعامل مع الهيئة في صنعاء، وسيكون هناك هيئتين الاولى في صنعاء والأخرى في عدن.

وإذا ما استطاع التاجر الوصول لعدن لتسجيل الدواء هناك أو استيراد المواد الخام من ميناء عدن بدل الحديدة، فإنه لن ينجو ايضا من إشراف الحوثيين في صنعاء وتحكمهم بالسوق بحكم أنهم من يدير الوضع هناك.

هناك أكثر من خمس شركات تصنيع محلي في صنعاء، إضافة لعشرات المستوردين للأدوية الخارجية، بشقيها العربي والأجنبي، وجميع هؤلاء سيكونوا ملزمين بالانتقال إلى عدن لمتابعة ما يتعلق بأعمالهم التجارية، وفي ظل النقاط الأمنية الموجودة على الطريق من صنعاء إلى عدن، وتعدد القوى التي تسيطر على الأرض، والنفس المناطقي كما أسلفنا، فإن هذا الأمر يتحول فعلا إلى كارثة حقيقية.

قرار النقل يعد الثالث من نوعه في عملية نقل المؤسسات الحكومية، بعد نقل البنك المركزي، وتغيير العملة المحلية، وإنشاء شركة اتصالات خاصة في عدن، وأزمة السجائر المعروفة.

تقدم الحكومة الشرعية على خطوات لكنها لا تعمل عل تمهيد الأرضية الخاصة بمثل هذه الاعمال، ولو كانت عدن مهيأة لمثل هذا الدور لكان الأمر أيسر وأهون، وكان من المفترض تهيئة عدن لتصبح آمنة ومنفتحة على الجميع ثم تأتي مثل هذه الخطوات.

بالتأكيد لن يؤثر القرار على الحوثيين، والمتضرر الوحيد هم المستثمرين وتجار الأدوية وقبلهم جميعا المواطنين.

للعلم ظل قطاع الأدوية صامدا رغم الحرب، وتجرعت شركات التصنيع المحلي العديد من المتاعب والمصاعب، كي تبقى، ومن شان قرار كهذا أن يمس هذا القطاع بكل الضرر.

يسيطر الحوثيون بالفعل على وزارة الصحة العامة بصنعاء، وعلى الهيئة العليا للأدوية، من خلال شخصيات محسوبة عليهم، لكن هذا يعد جزء من السيطرة الكلية لهؤلاء على مفاصل الدولة، ولم يتضرر السوق الدوائي بشكل كبير، مثلما سيتضرر من مثل هكذا قرار.

يشير هذا إلى أن الحرب لاتزال طويلة، وبدلا من العمل على الانتهاء منها يجري تقسيم البلد إلى نصفين، وتهيئة المجتمع لهذا الانقسام، وهذا أحد تداعيات الحرب وأكثرها خطورة.  

لمصلحة من هذا الانقسام؟
 

التعليقات