علي أحمد العمراني

علي أحمد العمراني

برلماني يمني، وزير الإعلام السابق، والسفير السابق لليمن لدى الأردن.

كل الكتابات
في انتظار السيد ..!
الثلاثاء, 14 أغسطس, 2018 - 04:14 مساءً

بعد صمت البنادق ، وفرض الحوثي سيطرة تامة على صنعاء، شعرت أن من الصعب البقاء تحت "رحمة السيد" التي عبر عنها قيادي مؤتمري ، تواصلت معه قبل الرحيل، وقال : لم يبق لنا إلا رحمة السيد..!
 
ليلة 23 سبتمبر 2014 وصلت تعز ..
 
كان بالإمكان أن أتجه البيضاء مسقط الرأس ، وفي أهلها من البأس والبسالة ما يكفي ، لكن مشروع المستقبل الذي يصلح لليمن، لا يجب أن يكون عسكريا، ولا دينيا ، ولا قبليا، وإنما بمستوى أشمل وأعمق حضاريا، وكذلك مشروع المواجهة مع الحوثي.. وقدرت أن تعز أقدر على أن تكون حاملة ذلك المشروع ومنطلقه، بعد استسلام صنعاء وخضوعها، وسيطرة الخبال الجهوي الإنفصالي على عدن .. لكن تعز بدت كالتي فقدت مناعتها بسبب سياسات عهد صالح الترييفية والقيمية والعسكرية.
 
مفهوم فقدان المناعة هذا، الذي عبر عنه سفيرنا في بغداد الخضر مربش قبل يومين ، شمل كل اليمن، وأصبحت مهيأة لمشاريع مدمرة خطيرة مثل مشروع الحوثي والانتقالي الجنوبي ، وأشباه أبو العباس وغير أبي العباس ..
 
لَم أفكر حينذاك، في البقاء في عدن التي اتجهت اليها بعد تعز مباشرة ، لأن نغمة الإنفصاليين الإنعزاليين النزقة كانت مهيمنة هناك، وما تزال للأسف .. ويبدو صعبا إلى الآن أن تكون عدن منطلقا لتحرير صنعاء، على النحو الذي يجب أن يكون..
 
لو استمرت مواجهة الحوثي في صنعاء، أو حتى أمكن عزله في حزء منها ، لآثرت البقاء في المدينة العاصمة الجامعة، التي نجلها إلى أقصى حد ، وكنت قد عدت إليها من الخارج قبل أسبوع من اجتياحها الغاشم ..
 
ولو تضافرت الجهود، وكانت تقديرات الجهات المعنية، في الداخل والخارج، صائبة، لما تمكن الحوثي من التحرك من صعدة إلى صنعاء ، ولأمكن هزيمته بعد ذلك في صعدة ذاتها ..
 
اخترت تعز وقتها، وظننت أنها ستكون المنطلق لتحرير صنعاء .. غير أن أحد أصدقائي زارني فور وصولي تعز ، وقال : "البلاطجة"* منتظرين السيد على أحر من الجمر ..! كان ذلك بفعل توجيهات "الزعيم" يرحمه الله ، الذي خانه الذكاء والفطنة وحسن التقدير وسلامة التدبير ، وقدَّر أن الإنتقام من ثوار فبراير ، أولى من مواجهة الحوثي الذي لا يشفي غليله سوى رأس "الزعيم" وجثة الوطن، كما أثبتت التطورات والأيام ..
 
منذ تقدم الحوثي نحو صنعاء ، عبر دماج وعمران ، كان سوء تقدير أطراف معنية كثيرة داخلية وخارجية هو ما ساعد الحوثي على تحقيق أهدافه المدمرة حتى اجتياح صنعاء ..
 
بعد تطور الأمور إلى المستوى الذي صارت عليه الْيَوْمَ ، وبعد مقتل الرئيس صالح ، لا بد أن كل الذين استبشروا بالحوثي متقدما نحو صنعاء ، قد نالهم من الندم والكمد و
، الشيء الكثير.. وكل الذين انتظروا الحوثي على أحر من الجمر في تعز وغير تعز ، لا بد أنهم اكتووا بنار "السيد " الذي كان مُنتَظَرا ، على أحر من الجمر ..!
 
تعز المدينة والمحافظة ، هي الأكثر مدنية في اليمن كلها، ويضاف لها مدينة عدن، قبل ترييفها، وملشنتها ..
 
ما يجري في تعز من ملشنة وتناحر الآن ، يثير الأسى والحزن، ويرجع ذلك ، إلى أن الرؤية لتحرير اليمن وتعز ما يزال يكتنفها التخبط والبعد عن المسار الصحيح .. والمسار الصحيح ، والأصح ، هو تشكيل جيش يمني وطني واحد لليمن كلها، بعقيدة واحدة وقيادة واحدة ، بعيدا عن كل أنواع الغلو الديني والجهوي، وخلافا للملشنة وتجار الحروب وأمرائها ، وطرحت هذا في مؤتمر الرياض ، مايو 2015..
 
وللمرة المليون ، فإن المليشيات الدينية وأمراء الحرب وتجارها، والنخب والأحزمة الأمنية الجهوية وما في حكمها لن تزيد اليمن إلا خَبَالا.. وضررها الان ، وفِي المستقبل، أكثر من نفعها، لو كان لبعضها بعض النفع المؤقت ..
 
وإذا كان الحوثي يقاتل جهادا على حد زعمه ، ويطلق على مقاتليه صفة المجاهدين زيفا ، فأولى بالشرعية والتحالف العربي، أن تواجه الحوثي بمشروع وطني عصري وجيش وطني واحد، وعقيدة عسكرية وطنية موحدة صارمة ، أبعد ما تكون عن مفاهيم الحروب الدينية والطائفية والجهوية والجهاد الذي شوهته قوى الضلال والظلام، داعش والحوثي والقاعدة وغيرها ..

التعليقات