القاعدة في اليمن
السبت, 18 أغسطس, 2018 - 09:30 مساءً

ظلت الحرب على تنظيم القاعدة في اليمن واحدة من أبرز الملفات المعقدة منذ ظهور التنظيم على الأرض اليمنية، ودخل اليمن في مواجهات مع هذا التنظيم منذ وقت مبكر، لكن الحرب عليه شابتها العديد من التعقيدات، وخضعت للمزاج السياسي، لدى النظام السابق، وتحولت إلى ورقة بوجهين، الأول خطر حقيقي يتهدد اليمن والعالم والمنطقة، والثاني ابتزاز وتلاعب وفق اجندة معينة.

كانت أولى محطات التصادم مع القاعدة في اليمن بعد الهجوم على المدمرة الأمريكية يو إس إس كول قبالة سواحل عدن في العام 2000م، وهو الحدث الذي أحضر واشنطن بشكل كبير إلى اليمن.

ضباط وأفراد من الجيش الأمريكي والمخابرات وصلوا صنعاء لبحث هذا الملف، فالحادثة أدت إلى مقتل 17 بحارا أمريكيا، وهو عدد كبير، إضافة إلى إتلاف المدمرة التي يصل ثمنها إلى مليار دولار أمريكي.

كانت تلك الحادثة كفيلة بفتح أنظار أمريكا لتهديدات القاعدة، خاصة في اليمن، وترافق النشاط الاستخباراتي الأمريكي مع تحركات للسفير الأمريكي الأسبق إدموند هائل في أوساط القبائل في مأرب، بحثا عن خيوط تقود لمنفذي الهجوم، خاصة بعد تردد أنباء أن أبوعلي الحارثي يقف وراء ذلك الهجوم.

في المعلومات التي كشفت لاحقا وصل للجانب الأمريكي تأكيدات عن وجود الحارثي في مأرب، وأبلغت واشنطن صالح انها ستستهدفه، وافق صالح، شريطة التكتم على الحادثة من الطرفين، على أن تقول وسائل الإعلام الرسمية أن عملية الاغتيال وقعت بسبب انفجار لغم أرضي في سيارة الحارثي.

أقلعت طائرة بدون طيار من جيبوتي، وقصفت السيارة التي كان يستقلها الحارثي، وإثنين مرافقين له، أحدهما كان يحمل الجنسية الأمريكية، وزودت تلك الطائرة بكاميرا، كانت لقطات الفيديو منها، تشاهد بشكل مباشر في القاعدة الأمريكية بجيبوتي، وفي مقر الاستخبارات المركزية في أمريكا، ووقعت الضربة في ذات اليوم الذي كان من المقرر أن يصل السفير الأمريكي مأرب، وحين شب الحريق في سيارة الحارثي، هرع أحد رجال الاستخبارات التابعين لأمريكا إلى موقع الحادث لأخذ عينة من الحمض النووي للحارثي، وهذا يوحي بمدى تغلغل الاستخبارات الأمريكية في الداخل إبان عهد صالح.

مثلت تلك الضربة أولى عمليات القتل بالطائرات بالنسبة للجيش الأمريكي، كما مثلت أولى حالات القتل لشخصية يمنية متهمة بالانتماء لتنظيم القاعدة.

تحدثت وسائل إعلام صالح حينها عن تعرض سيارة الحارثي للغم داخلي، وأنكرت الاستهداف الأمريكي، لكن مسؤول أمريكي ظهر لاحقا تحدث لوسائل الإعلام أن الحارثي كان هدف مقصود لواشنطن، وتم استهدافه بطائرة بلا طيار.

أحرج الكشف الأمريكي عن تفاصيل الغارة صالح وحكومته، وهو ما دفع بيحي المتوكل حينها ليقول بإن هذه هي إحدى سلبيات التعاون من أمريكا، في إشارة لكشف واشنطن عن الاتفاقات السرية، وعدم مراعاة وضع صالح في الداخل.

قام صالح بالقبض على مجموعة متورطين في تدمير المدمرة الأمريكية، وتزامن ذلك مع حضور محققين أمريكيين إلى صنعاء، وعندما غادر المحققين الأمريكيين في العام التالي بعد أحداث سبتمبر 2011م، أطلق صالح كل المتورطين، وفقا لما رواه الضابط الأمريكي من أصل لبناني في مكتب التحقيقات الفدرالية علي صوفان، والذي كان يعمل لدى المكتب في صنعاء.

ضابط أمريكي آخر عمل في السفارة الأمريكية بصنعاء (العقيد لانغ)، وكان مقربا من صالح، ومارس معه مهنة الصيد أكثر من مرة، أشار إلى أن صالح استخدم القاعدة في حرب 94م، وضد الحوثيين في صعدة خلال الحروب الست، ولم تكن القاعدة تشكل لصالح مصدر خطر، ما دام ذلك لا يؤدي إلى فقدانه للسلطة.

لكن الحدث الأكثر اختبارا لمدى قدرة اليمن في التعامل مع هذا الملف، جاء بعد أحداث سبتمبر 2011م، وإعلان أمريكا الحرب على القاعدة حول العالم تحت شعار "العالم ميدان معركة"، وكان لسقوط نظام طالبان بعدها تأثير مفزع على بقية الأنظمة السياسية التي كانت متهمة بإيواء القاعدة، ومنها اليمن وموريتانيا والصومال وغيرها.

رأى علي عبدالله صالح في تهديدات بوش الإبن وإعلانه الحرب على القاعدة رسالة صادقة لا تحتمل أي تفسير، وكان ذلك دافعا له في التحرك، مدفوعا بغريزة الدفاع عن منصبه ونظام حكمه في اليمن.

تحرك صالح إلى واشنطن وألتقي فيها ببوش الإبن في نوفمبر من العام 2001م، أي بعد شهر من أحدث سبتمبر، وخاطب بوش بالقول "نحن نحبكم يا أمريكيين"، وغادر مقره في فندق ريتز كارلتون بعد حصوله على وعد بـ400 مليون دولار لتجهيز الجيش اليمني في مواجهة الإرهاب، و ووعود أخرى بمنح مالية من البنك الدولي لمشاريع في اليمن.

من هنا بدأت الحرب على القاعدة تتخذ مسارات متعددة، حيث جرى بناء قوات مكافحة الإرهاب التابعة لصالح، وبدأت المعارك مع القاعدة تتخذ طابع المهمة الرسمية، لكن وفق ما تقتضيه مصالح صالح، وأجندته السياسية، ومع ذلك لم تؤدي إلى القضاء الكامل على القاعدة، رغم معرفة صالح بأوكارها، ورجالها وأماكنها.

ولعل تسليم محافظة أبين للقاعدة في العام 2011م، كان تجسيدا واضحا لتلك السياسة التي اتبعها صالح، فقد رمى بالمحافظة كاملة لأعضاء التنظيم، وسقطت بأيديهم.

ظلت القاعدة كما هي، بعد 2011، فيما خلا محاولات تحرير أبين التي قادها اللواء الركن علي سالم قطن، وانتهت بمقتله لاحقا.

استغل التنظيم الفراغ السياسي الحاصل في اليمن خلال السنوات الأخيرة، وسعى للتمدد، وتعزيز حضوره في عدة مدن داخل اليمن، وحينما نفذت جماعة الحوثي انقلابها أعلنت هي الأخرى عن خوضها حرب ضد القاعدة، وقال مسؤول أمريكي حينها أن سقوط الحكومة الشرعية في صنعاء لن يؤثر على الحرب ضد القاعدة.

وعقب انطلاق عاصفة الحزم العسكرية بدأ التحالف في تدشين حرب أخرى ضد القاعدة في اليمن، لكنه وقع هو الآخر في ذات الخطأ الذي وقع فيه صالح، إذ اقتصرت الحرب على التنظيم في القوات التي أنشأتها الإمارات، ولم يسمح للجيش اليمني في التدخل، ولا للحكومة اليمنية في الإشراف، إلا في نطاق السماح بتنفيذ الضربات الجوية المستمرة.

خاض التحالف وتحديدا الإمارات حربا مفتوحة على القاعدة، لكن ذلك أيضاً لم يمنعها في الوقوع بعدة أخطاء من بينها، تضخيم الحرب على القاعدة إعلاميا، ثم خلق انتصارات وهمية، ثم سقطت في فخ إقامة العلاقة مع القاعدة نفسها بحثا عن انتصار مزعوم.

لا تبدو معركة القاعدة سهلة، خاصة مع ارتباط التنظيم بولاءات قبلية محلية متعددة، لكنه يحتاج بشكل أدق لدولة مستقرة، وحكومة قوية، وجيش موحد، وإرادة تخلو من الحسابات السياسية الضيقة التي تجير مثل هذه القضايا لصالحها.

بالمناسبة  الضابط الأمريكي علي صوفان كان أحد المنسقين مع صالح، وعندما وقعت أحداث سبتمبر 2001م في أمريكا، كان صوفان في صنعاء، يعمل في السفارة الأمريكية.

صوفان كان أحد المحققين في قضايا متصلة بالإرهاب، واستقال من العمل في مكتب التحقيقات الفيدرالية اعتراضا على بعض أساليب المحققين الأمريكيين، وأصبح الآن من المتخصصين في تنظيم القاعدة.

يعد صوفان الآن لمسلسل باللغة الإنجليزية بعنوان "ذي لومينغ تاور" (برج في الأفق) ويسلط الضوء على تحركات القاعدة والأخطاء التي ارتكبتها المؤسسات الامريكية والمتمثلة في عدم التنسيق بينها قبيل أحداث سبتمبر.

المسلسل وفق صوفان يروي وقائع من عملية 11 سبتمبر للأجيال الجديدة، وكسر الصورة النمطية عن المسلمين.
 

التعليقات