فيصل علي

فيصل علي

إعلامي وأكاديمي يمني.

كل الكتابات
شرعية بنت كلب
الاربعاء, 05 سبتمبر, 2018 - 05:37 مساءً

الإنسان اليمني فقير في مفرداته لدرجة لا تصدق مع أنه يعيش في منطقة هي أصل العرب وأصل اللغات السامية، والتي كلها بدأت من عهد سام بن نوح و من جاء بعده من الساميين، وسام هذا سكن صنعاء كما تقول شواهد التاريخ.
 
عند القبائل اليمنية الحضرية التي أسست حضارات الشام و العراق و فلسطين و مصر و شمال أفريقيا والقرن الأفريقي هناك تنوع وثروة لغوية، ومفردات كثيرة تستخدم في الحياة اليومية، في العراق بائع الفلافل يدلع الزبون بعبارات غزلية مثل: هلا قلبي هلا عيني أنت وردة مال الله، وفي كل المناطق الأخرى هناك مثل هذا الثراء والترف في استخدام المفردات وأكثر.
 
لكن اليمني إذا حب أن يدلع ولده يقول له تعال يا ابن الكلب، ويدلع زوجته بمناداتها بالكلبة، وإذا يحب يجاملها زيادة عن الجيران يناديها يا كلبة يا بنت الكلب، تبتسم وهي أسعد مخلوقة مافيش أصلاً بنت كلب بقدرها في الحارة كلها، يقال أن كلبة هنا إيحاء جنسي لكن لا دلالة  تؤيده، والمرأة أيضاً  إذا أحبت أن تُدلع حبيبها تقول له معقبة على طريقته وأسلوبه في التغزل بها : "مجنون"! مجنون مرة واحدة لو علم مجانين الدنيا لأقاموا الدنيا ولم يقعدوها ولأخذوا حقهم مثنى وثلاث و لدفع لهم أهل اليمن ضرائب الغزل الغريب.
 
فقر الأوصاف ربما يعود لفقر الواقع فالفقير ليس مهتماً بمفردات الشوق والغزل ويستخدم مفردات تنبئ عن عسر الحال و ضيق اليد. وفي قول آخر اليمني أساساً فلاح والفلاح لا يستغني عن الحيوانات و على رأسها الكلب حامي وحارس قطيع الأغنام، ولا يستحي أن يتسمى هو أو بنيه باسم أي حيوان، لدينا بيوت يمنية عريقة مثل بيت البغل و الثور والجمل و السمكة و الربح والصقر والديك والحنش والباز والكبش والكلب لا ينقص عن تلك الحيوانات والطيور والزواحف شيئاً.
 
عندما يقول الواحد عن انقلاب الحوثيين بأنه انقلاب "عيال الحرام" واصفاً الهاشمية السياسية و من استخدمتهم ممن يدعون أنهم من بني هاشم القادمين من الرس و العراق و طبريا، و لا نعلم في اليمن و لا نقر لهم أصلاً ولا نسباً فانتسبوا للرسول محمد عليه الصلاة والسلام، و هو رجل قطيع النسب كما يقول القرآن و كما هو ثابت في التاريخ والسير، و البنات لسن نسب، إنما أوعية لمن أنجبن له في عرف العرب و العجم و الترك و الجرمن.
 
كذلك الشرعية عندما يصفها أحدهم أنها بنت كلب فهذا شيء طبيعي والمفروض لا أحد من مستخدميها يزعل أو يرفض هذا الوصف، هو وصف طبيعي و لن تكون الشرعية أعز على الشخص من ولده أو من زوجته، و هذا  الوصف يعد غزلاً سياسياً لا يحسب ضد قائله، و قائله عاشق مستحي أو خاور مستحي، لكن الشرعية بنت الكلب ما تفهمش بالمصطلحات البلدي من كثر الرقدة والنوم في الفنادق و القصور، و يبدو أنها نسيت حياة البادية و الريف اليمني، و نسيت أن الكلب أشرف من شرعية عيال الكلب، و من اللي خلفوهم، لأن الكلب هو الابن المدلل للعائلة اليمنية، و من منا لم يربي كلباً في صباه، و لم يدلل الكلاب؟ عن نفسي ربيت كلاب أنا والعيال في قريتنا، و بدون أن يشعر أهلنا، و لقد غسلنا الكلاب بالماء والصابون،  وعودناهم على أكل  بسكويت أبو ولد و بسكويت ماري و بسكويت ميزان، لا أعلم لماذا  لم نعودهم أن يمصوا مليم العود أو يلحسوا الزعافير، المشكلة الكلاب كبروا و صاروا يتقطعون للأطفال الذاهبين للدكان في القرية، و لا يمر طفل دون أن يدفع الجزية للكلب نصف باكت زبدة أو حبتين ماري أو دستة بسكويت ميزان، و حلفنا أننا لا نعرف هذه الكلاب و لا نعرف من عيال الكلاب اللي ربوها على أكل الحالي و الغالي.
 
لا تزعليش يا شرعية و الله أننا نحب الكلاب كثيراً، فهي كما تعلمين وفية و نظيفة، وقد اختلف الفقهاء في نجاسة لعابها، و عن نفسي كل الكلب طاهر مادام متربي ومتروش بشامبو و صابون ديتول سائل.
 
أحد سكان قرية بعيدة عن قريتنا كان له غريم و بينهما خلاف على أرض يقال أن غريمه هذا هو خاله، كان اسم خاله طاهر، فكان يلمزه بين الناس بأن ينظر إلى الكلب ويقول كل الكلب نجس إلا ما تحت ذيله "طاهر"! فيفهم الناس مغزاه و يعتبرونها وجهة نظر.
 
لذا لا مشاحة في الاصطلاح و لا عيب في اختلاف وجهات النظر بيننا نحن الشعب المسحوق و بين شرعية عيال الكلب، قالت الشرعية أنها سترفع أجور القطاع المدني، فرد القطاع المدني عليهم يا عيال الكلب اعطونا رواتبنا المحتجزة عندكم منذ أكثر من عامين و سامحكم الله بالزيادة.. يارب فهم عيال الكلب بأننا قد ملينا من اللي خلفوهم و رموا بهم في طريقنا.

التعليقات