سبأ عباد

سبأ عباد

كاتبة يمنية

كل الكتابات
كي لا نكون من الصابرين !
السبت, 29 سبتمبر, 2018 - 02:13 مساءً

عندما نتحدث عن الجنة ، لا تحدثني عن المساكين والصابرين ، لا تشعرني أن الجنة خُلقت للضعفاء ، للتعساء وقليلي الحيلة ومعدوميها ، عن المحرومين الذين اكتفوا بحرمانهم ، ولم ينبسوا ببنت شفة ،  هؤلاء عاجزون ، وربما كان لديهم ما يشفع لعجزهم ؛ مع ذلك لا تحدثني عنهم  !
 
 قبل أن تقول لي : إن الله يحب الصابرين ، قل لي إن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، دعني أتمسك بما لي بقوة . قبل أن تحدثني عن فقراء الجنة ، حدثني عن أغنيائها ، أريد أن أدخل الجنة بغناي ، لا بفقري ، بعزيمتي وكفاحي لا بصبري .
 
حدثني عن الأقوياء ، أصحاب البطولات ، الذين ينتصرون لأنفسهم ومن حولهم ، الذين لا صبر لديهم، إنما الصبر على قضاء الله وحده ، وكل ما دونه ليس صبرا ، إنه العجز والهزيمة والاستسلام ، ومغالطة النفس وخداعها ، كل ما دونه، هو الضعف الذي يصنع شرخا ما بين المرء ونفسه ، فيخاف لقاءها ومواجهتها ، هو الانتكاسة المؤجلة التي لا ينجو من نيرانها أحد .
 
 لا تحدثني عن كل هذا ، وأنا امرأة تنتفض الكلمات من بين أصابعها ، وتتساقط الأوزان من نخل جدائلها ، امرأة لم تخلق للصبر ، ولا للضعف ، امرأة قد تغمض عينيها ، ولكنها لا تنسى .تصمت ، ولكنها لاتموت ، والثورات كذلك .
 
 ببساطة شديدة ، لنضع الجنة ،وحورها ،وتفاحها ، ومشاريع الصبر جانبا ! لنتحدث قليلا عن مشاريع النضال والكفاح الطويل ..
 
  حدثني عن الأبطال الذين ثاروا ولم يصبروا ، عن البطل العراقي الجامح جمال جميل ، الذي حُكم عليه بالإعدام في بلده ، ثم نجا منه ، وساقته المشيئة الإلاهية إلى اليمن ، وكأن ريح الحرية والثورة تقول له : أمطر حيث شئت ، سيأتيني خراجك . الشهيد جمال جميل الذي لم يرَ فرقا في مدلول القضية ، بفارق الزمان وتبدل المكان ، فالحرية الحرية أينما كان الإنسان ،  لابد أن تكون !
 
الرئيس جمال جميل كما كان يطلق عليه  ، وصل إلى اليمن عام 1939م ليبدأ مرحلة نضالية جديدة ، في مكان أمسّ ما تكون الحاجة إليه فيه،  هو رجل كذلك الرجل آنذاك ، الذي اخترق الغلاف الجوي ، الذي غلّف به الإمام يحيى اليمن لعقود من الزمن ، وعزلهم عن العالم والحياة .
 
من هنا تسرب الضوء ، من ذلك الثقب الذي أحدثته الأيام ، في غفلة من الإمام الطاغية والمستبد ، وصل جمال جميل ليبدأ رحلة كفاح جديدة ، ويؤسس مع من ساروا معه ، لثورة تحققت عام 1948 م مع عبدالله الوزير ، وغيرهم  ، الثورة التي أطاحت بالإمام يحيى برصاصة الشهيد القردعي  ، غير أنها انتهت بعد فترة قصيرة ،وعاد الإمام أحمد الذي كان أشد تنكيلا بالشعب من أبيه ، فأعدم الثوار بعد أن حاصرهم في صنعاء ، من بينهم الشهيد جمال جميل ،الذي لم ييأس ، ولم يتخل عن يقينه في استمرار قضيته ، حتى عندما سُيق للموت قبيل إعدامه ، مصرحا لقاتليه بعبارته الشهيرة : "حبلناها وستلد " ، قاصدا بذلك الشهيد علي عبدالمغني ، وأمثاله من تنظيم الضباط الأحرار .
 
حدثني عن الشهيد الثلايا ، قائد ومحرك أحداث 1955م ، التي كادت أن تطيح بحكم الإمام أحمد  ، فقط لأنه لم يطق صبرا ، إزاء ما كان يتعرض له الشعب من ذل وظلم وهوان ، لأنه أراد -كما قال - لهذا الشعب الحياة ، ولم يكن من الصابرين !
 
 حدثني عن الشهداء الثلاثة العلفي واللقية والهندوانة ، الذين حاولوا اغتيال الإمام الطاغية أحمد بن حميد الدين،  عام 1961م ، في مستشفى الحديدة ، عندما أطلقوا عليه وابلا من الرصاص ، محاولين بذلك تخليص الشعب من جبروته ، غير أنه أُصيب ولم يمت ، مستبقين بذلك ، الثورة التي كان يرتب لها تنظيم الضباط الأحرار ،بقيادة الشهيد علي عبدالمغني ، وبالتنسيق مع الكثير في الداخل والخارج ، فقط لأن مخزون الصبر لديهم قد نفد ، ولم يطيقوا المزيد من تحمل الظلم والاستبداد .
 
عن مهندس ثورة السادس والعشرين من سبتمبر  ، قائدها وأول شهدائها  ، الشاب اليافع ذي العشرين ونيف من العمر ، الشهيد علي عبدالمغني ، الذي أشعل فتيل الثورة التي أطاحت بأعتى الأنظمة الدكتاتورية المستبدة ، التي حكمت اليمن لفترة طويلة من الزمن ،  وأعلنت الجمهورية نظاما بديلا ، البطل الحالم الذي صاغ اهداف الجمهورية الستة وخطها بقلمه ، ثم استمر في كفاحه لأجل ديمومتها ،  حتى ارتقى شهيدا ، وهو يقاتل على أرض المعركة . في مدينة مأرب  ، في أكتوبر عام 62م ، أي بعد قيام الثورة بقليل .
 
عندما نتحدث عن الجنة ، حدثني عن كل هؤلاء وأمثالهم  ، كي لا نكون من الصابرين .

التعليقات