الأديان .. مصادر هدمٍ أم بناء؟!
الخميس, 08 سبتمبر, 2016 - 09:42 مساءً

تنزلت الأديان السماوية لخدمة المجتمعات قاصيها ودانيها الكافر والمؤمن بها، ولا يوجد في أيٍّ منها ما يخالف ذلك أو يناقضه، ومنها الدين الإسلامي آخر الرسالات السماوية وخاتمها والذي يعاني اليوم من تشويه واسع ليس من أعدائه فحسب كما أصمّ الدعاة والخطباء بذلك آذان المتلقين على مدى عقود طويلة.
 
 بل من قبل المسلمين أنفسهم حكاماً ومحكومين، جماعات سياسية وفرق دينية متطرفة ومنحرفة. وبالرغم من اختلاف الحكام وعشاق السلطة في دعواتهم ومذاهبهم وراياتهم، ومناهج حكمهم باسم الدين وتبني أحكامه وقيمهُ، إلا أنها تتفق وتتلاقى عند نقطة مشتركة وهي السيطرة على السلطة كونها مصدر النفوذ ومخزن الثروات. ولم يتبنَّ علماء الدين والمشتغلين بالفكر الإسلامي قضايا الإسلام المعاصرة التي تخدم المجتمعات وتدرأ الشبهات التي أصابته بقسوة من أبنائه والمتربصين به ولولا هؤلاء لسادة الشريعة المحمدية العالم كله حد قول الأديب الروسي "ليو تولستوي".
 
وعن قناعة ورضا آمن معظم الخلق بالإسلام الدين الشامل المتجدد الصالح لكل زمان ومكان والمليء بالنظريات التي لم تقتصر على حياة المسلمين بل شملت غير المسلمين وأعطتهم حقوقهم الانسانية كاملةً وغير منقوصة إذ اشتمل على:  
 
- النظريات الاجتماعية التي تنظم المجتمع وتعمق أواصره وتثبّت عراه، وتؤسس قواعد التعاون والتكافل واحترام الجار والعطف على اليتيم وزيارة المريض وحتى إماطة الأذى عن طريق المارة من الناس ومساعدتهم على تجاوز المحن ونوائب الدهر، دون أي تمييز على أساس العرق أو الديانة أو الحزب أو اللغة أو اللون لكل أبناء المجتمعات القاطنة في أرض الله الواسعة.
 
 وفي ذلك يقول المفكر الفرنسي الشهير "لامارتين" في كتابه "حياة محمد" وبالنظر إلى كل مقاييس العظمة البشرية أود أن أتساءل هل هناك من هو أعظم من النبي "محمد" وهو الذي وضع تلك النظريات التي أسست لمجتمعه التقي النقي والذي كان يجب أن يكون النواة للمجتمعات البشرية قاطبة.
 
-والنظريات السياسية التي لم تختزل السلطة أو الحكم في عرقٍ أو قبيلة بل جعلتها شورى بين المسلمين ومعاير توليها تتمثل بالقدرة والكفاءة والنزاهة القائمة على الشفافية والوضوح الذي يحقق الأمن والسلم للبشرية جمعاء ويجب علينا أن نتذكر مقولة الشاعر الألماني "جوتيه" في ديوانه الشعري الذي أطلق عليه الديوان الشرقي "إذا كان الإسلام يعني التسليم لله، فعلى الإسلام نعيش ونموت جميعا". أما الأديب الانجليزي "جورج ولز" فيرى أن الرسول محمد(ص) أعظم من أقام دولةً للعدل والتسامح على مر التاريخ"
 
-والنظريات الإقتصادية التي دعت إلى أخذ الزكاة من الأغنياء وتقسيمها على الفقراء حتى تشيع المحبة بين أعضاء المجتمع فيذهب لأجل ذلك حقد الفقير على الغني ويدعو له بالبركة وتسمو روح الغني ممتلئة بالسعادة والأمان. كما أنّ النظرية الإقتصادية حاربت ونهت عن الإحتكار واستغلال حاجيات الناس وحرمت الربا الذي يمحق الأرزاق ويعمق الشرخ بين طبقات المجتمع كما  حثت على الصدقات المطهِرة للنفس والمزكية لها لتغطية ما تبقى من حاجيات المجتمع ونواقصه.
 
وفي هذا السياق يقول الأديب الانجليزي الشهير "برناردشو" إن العالم أحوج مايكون الى رجلٍ في تفكير محمد النبي الذي لو تولى أمر العالم اليوم لوُفِقَ في حل مشكلاتنا  بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو اليها البشر".
 
-النظريات الحقوقية التي كفلت للمجتمع حقوقه من خلال قوانين عادلة وعقوبات رادعة تضرب على يد الظالم أو الجاني حتى يؤخذ الحق منه وتنصف المظلوم حتى يعاد له الحق عن طريق محاكم نزيهة وسلطات تنفيذية فاعلة.
 
-النظريات العلمية التي حثت على العلم  والبحث العلمي وتطوير مؤسساته البحثية التي تخدم المجتمع وتشبع حاجياتهم الروحية والجسدية، وتحث  على الصبر في تلقي العلم واحترام وإجلال العلماء  وغيرها من النظريات التي تدعو إلى الإسلام المعتدل والمنفتح والمحقق لمقتضيات العصر وحاجيات البشرية.
 
كل هذه النظريات السامية تؤكد بما لايدع مجالا للشك أن الدين الإسلامي دين بناء وتعمير، ورخاء وطمأنينة، وليس دين هدم البتة كما يراد له أن يكون بفعل بعض التصرفات التي تحدث هنا أو هناك من بعض أبنائه وتنسب إلى سماحة الإسلام الذي قبل بالجميع وكفل حق الجميع في دياناتهم وتعبدهم وخصوصياتهم ولم يكن يوما دين إكراه وعنف، بل دين رحمة للعالمين.
 
وعلى هذا فإننا لسنا مع التطرف والإرهاب والشعوذة والدعوات الطائفية والعرقية التي تعمل على خلخلة دعائم المحبة والتعايش السلمي بين المجتمعات. ولن يرضى الناس بالإسلام الذي يروج له علماء السلطة مثل الدكتور أحمد الطيب، والمفتي المصري الشيخ شوقي علام وعلي جمعة ، وأسامة الأزهري، وغيرهم من المبدعين في عالم الخياطة وتفصيل الإسلام  بزات على هوى الحاكم ووفقاً لمقاساته.
 
والذين شاركوا في مؤتمر غروزني  المنعقد في 26-8-2016م تحت عنوان " منهم أهل السنة والجماعة" والذي دُعِيَ اليه بعض علماء الإسلام من مصر وغيرها وترك بعضهم عمداً  كعلماء السعودية على سبيل المثال  والسلفيين وجماعة الإخوان المسلمين حملة الفكر الوسطي المعتدل.. كي يتم الإلتفاف على ثوابت الإسلام وإخراج الإسلام على هيئة سدنة القبور، والمشعوذين من الصفويين والنصيرين وخوارج العصر وغيرهم من الفرق التي صارت مِصدر تشويه وهدم لقيم الإسلام ومبادئه وأسسه القويمه.
 

التعليقات