علي أحمد العمراني

علي أحمد العمراني

برلماني يمني، وزير الإعلام السابق، والسفير السابق لليمن لدى الأردن.

كل الكتابات
السعودية لن تفقد أعصابها..
الثلاثاء, 04 أكتوبر, 2016 - 06:33 مساءً

فشلت التحقيقات الأمريكية منذ خمستعشر عاما في إثبات أي علاقة للسعودية في هجمات 11/9، مع رغبة جهات كثيرة في واشنطن بإلصاق مثل تلك التهمة بالسعودية .. وتم الإفراج عن الثمان والعشرين صفحة من التقرير الشهير الخاص بالهجمات، التي كانت تروج الجهات المغرضة في واشنطن أنها تخفي شيئا يتعلق بدور للسعودية، وتبين أن تلك الصفحات لا تتضمن دليلا واحدا.. وطبيعي أن لا تتضمن أي دليل..فمنذ متى كانت السعودية داعمة للإرهاب..؟ هي في الحقيقة إحدى ضحاياه البارزين، وهي تكافحه بلا هواده وباستمرار .. يختلف كثيرون أو يتفقون مع السعودية في تفاصيل، غير إن مجمل العرب والمسلمين يحرصون تماماً على استقرار ووحدة هذا البلد الكبير،في جزيرة العرب، التي انطلق منها العرب ذات يوم لنشر حضارة الإسلام في بقاع شتى من المعمورة، وتمخض عن ذلك قيام امبراطورية مترامية الأطراف تجددت مرات عدة خلال أكثر من ألف عام، وقد يرى كثيرون أن السعودية اليوم أقرب ما يمثل الصلة بماضي جزيزة العرب وأمجاد ابنائها ، ويعبر عن تطلعات العرب في وحدة وقوة واستقلال.. ليست المرة الأولى التي يتغير فيها مزاج واشنطن، أو أن تختلف مع دولة أخرى، فقد اختلفت قبل ذلك مع الهند وواجهت الصين، وكادت أن تدخل معها في حرب ، وقطعت علاقاتها مع إيران، ودامت قطيعتها مع جارتها القريبة كوبا، حوالي ستين عاما، وتدخلت عسكريا في فيتنام.. يحدث غالبا أن واشنطن قد تتراجع، ويتعدل مزاجها وتعترف بأخطائها ، وتلاوم نفسها،وتحاول التقرب لخصم الأمس بصور شتى، وقد يحسب ذلك لها..! وقد تفعل ذلك حتى من تعاملت معهم طويلا باعتبارهم مارقين وخارجين عما ترى أنه نظام عالمي ترعاه ، حدث ذلك مع الصين من قبل ، ويحدث مع إيران الان، ومع كوبا .. السعودية دولة راسخة، وتتجدد شرعيتها منذ أكثر من مأتين وسبعين عاما، ولم تكن دولة مارقة يوما ، وهي أبرز دول الأعتدال في المنطقة، منذ تأسيسها منذ ما يقارب القرن .. عندما كان التشدد يساريا، كانت السعودية مع واشنطن في خندق واحد للتصدي للتطرف والعنف والطيش .. وعندما تحول اليمين الديني ليكون هو الحامل للتطرف في منطقتنا، كانت السعودية أول ضحاياه،، ابتداءا بالهجوم على الحرم، في أواخر السبعينات، ومرورا بهجمات الخبر والرياض، وكل ذلك كان قبل 11/ 9/ 2001, وليس نهاية بمحاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف، ولي العهد السعودي .. خصوم السعودية يقولون : الإرهاب ذو أصول وجذور وهابية.. والحقيقة فإن الأمر غير ذلك تماماً .. وإلى ما قبل ثلاثين عاما ، كان الثوريون اليساريون بكل تفرعاتهم يؤاخذون على التيار الديني بكل فروعه، بما ذلك السلفي ( الوهابي) استكانته ومهادنته، وحتى عمالته، للغرب المستعمر، الإمبريالي..! تراجع اليسار التحرري ، وجاء اليمين الديني ، ليحل محله وبدأ يخبط خبط عشواء، مستدركا من الأخطاء والحماقات ما لم يرتكبه اليسار الثوري المتواري ، وظانا أنه حسنا ما يفعل.. تطرف اليسار سابقا وهوس اليمين الديني الان لا يعبر عن جغرافيا أو دين أو مذهب أو عرق، بقدر ما يعبر عن أزمة أُمَّة، هم العرب على وجه الخصوص، والمسلمون إجمالا، وهي أزمة مركبة وتتطلب جهودا جبارة وإصلاح شامل ، وتفكير بصوت مسموع ، وأسئلة من قبيل ، لماذا وكيف..؟ ومثلما نرى أن التطرف اليوم يأخذ طابعا يمينيا دينيا، فإنه، غدا، قد يأخذ طابعا آخر قد يكون قوميا مثلا، أو غير ذلك مما لا يخطر على بال، ما دام أزمة العرب مستمرة .. ولكن، هل العرب هم وحدهم من عانوا أو يعانون من أزمة حضارية وتطرف وعنف..؟ طلاب التاريخ ، سيقولون كل الدنيا وكل الأمم مرت بمثل هذا وأسوأ .. فداحة المسألة الان أننا نحن أبناء هذا الجيل نعيش عمق المأساة وحقيقتها ووقعها، ولا نسمع عنها في الأخبار فقط أو نقرأ عنها في كتب التاريخ .. قال الكاتب الامريكي ديفيد إغناطيوس، لو وضعت يدك على صورة ما يجري من إرهاب داعش ، مثلا، وعنفها، ستجد نفسك وكأنك تقرأ شيئا من تاريخ أوروبا .. لا يزال الصينيون يتذكرون أن اللورد كاردون قتل من الصينيين أكثر من خمسة ملايين إنسان في حرب الأفيون.. وسقط أضعاف هذه الملايين في الثورة الثقافية التي قادها عمنا ماو( هكذا يدعوه الصينون).. عمنا ماو وهتلر وموسليني، وروبستير، لا علاقة لهم بابن عبد الوهاب التميمي، ولا بالوهابية، ولا بالعرب ..؟! حكاية جاستا هذه أكدت مسائل أهمها، أن مزاج الكبار قد يتغير، وأن التحالفات، وبمعنى آخر الصداقات في هذا العالم ليست دائمة ، وأن هناك دولا مثل أمريكا قد تقلب ظهر المجن لأصدقائها وتتخلى عنهم دون سابق إنذار..بل يمكن أن تتحول الصداقة إلى خصومة، وأحيانا عدواة غير مبررة.. ومن تلك المسائل التي أكدتها جاستا أيضا أن السعودية دولة رئيسية مهمة، وليست جمهورية موز أو مجرد دمية تدور في فلك الكبار، ويمكن أن تكون لها سياساتها المستقلة وألوياتها التي قد تتعارض أحيانا مع الكبار في عالم اليوم، وهي مستعدة أن تمضي قدما وقت الضرورة في خياراتها ولن يثنيها غضب الكونجوس وإجماع الديموقراطيين والجمهورين عشية إجراء إنتخابات رئيسية تسودها شوفينية ومزايدات غير مسبوقة.. ومع ذلك يدرك المتابعون أن السعودية لا تستفز ببساطة ولن تفقد أعصابها، وستتعاطى مع خياراتها وبدائلها بهدوئها المعهود ..

* من صفحته على فيس بك

التعليقات