صرخات وهموم
الخميس, 06 أكتوبر, 2016 - 08:18 مساءً

تمر دول الربيع العربي عموماً واليمن على وجه الخصوص بكوارث حقيقة وحروب مدمرة وشتات وتمزق أصاب الهوية العربية والوجدان المجتمعي صغيره وكبيره، جله وقليله، ولذلك فإن المكاشفة ومواجهة الأحداث المعاصرة بالكلمة الصادقة والعبارة المعبّرة صار ضرورة حتمية، لأن مداواة الجراح وتشخيص الألم بحاجة إلى شجاعة مفرطة وصبر جميل خالٍ من التبرم والجزع.

 المكاشفة ينبغي أن تكون على غرار ما جاء في رسالة الشاعر نزار قباني معتذراً للرئيس جمال عبد الناصر على قصيدته الجارحة التي كتبها في 28سبتمبر  عقب نكسة حزيران عام 1967م والتي شرَّح فيها الواقع العربي وقادته، تلك القصيدة التي حولته من شاعر للحب إلى شاعر ينبش الجرح ويكتب بالسكاكين على وجه الزيف، والتي ترتب عليها منعه من دخول مصر وظهوره على قنواتها قائلاً:

  ياسيادة الرئيس "اذا كانت صرختي حادة وجارحة، وأنا أعترف سلفا بأنها كذلك، فلأن الصرخة تكون بحجم الطعنة، ولأن النزيف يكون بمساحة الجرح، من منا يا سيادة الرئيس لم يصرخ بعد 5 من حزيران؟ ومن منا لم يخدش بأظافره السماء ؟ وماذا تكون قيمة الأديب يوم يجبن عن مواجهة الحياة بوجهها الأبيض والأسود معا؟" فعفى عنه الرئيس عبدالناصر لأنه كان زعيماً يستوعب مقومات الواجب الوطني والقومي لكل حامل همٍ أو جريح حرفٍ أو قصيده، لأنه يدرك أن ذلك يصب في مصلحة الأمة وخانة الوطن، ولم يكن نزار الأول في تلك الصرخة المدوية وإنما سبقته صرخات لكثير من أصحاب الفكر المحرك للمشاعر الوطنية الحامل لأوجاع الأمة والمعبر عنها منها صرخات الشاعر عبد الله البردوني الذي جاهر وعبر غير مرة وفي أكثر من مناسبةٍ وقصيدة عن أوجاع اليمن أمام جلاديه وسجاني شعبه وآكلي خيراته، حتى ألقيَّ في غياهب السجن على إثر قصيدته الناقدة للإمام أحمد قبيل ثورة 26من سبتمبر.

عيد الجلوس أعر بلادك مسمعا ***تسألك أين هناؤها؟ هل يوجدُ؟
تمضي و تأتي و البلادُ وأهلها *** في ناظريك كما عهدتَ و تعهدُ
الشعب أقوى من مدافع ظالم *** وأشدّ من بأس الحديدِ وأجـــــــــــــلدُ
والحقّ يثني الجيشَ وهو عرمرم ***ويفلُّ حدَّ السيف وهو مهنّـــــــــــــــــــــــــدُ
يا ويح شرذمة المظالم عندما ***تطوى ستائرها ويفضحها الغــــــــــــــــــــــــدُ!
وغدا سيدري المجدُ أنّا أمّة *** يمنيّة شمّا  و شعب أمجــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدُ

فكان كفاف بصر الشاعر البردوني عاملاً رئيسا في حياته وتحمله لهموم بلده والذي عادل عماه ملايين العيون المبصرة والمفتوحة على مصراعيها، إذ كان لا ينسى في كل قصيدة أن يهين من أهانوا شعبه وبددوا قدراته، وضل يحمل مآسي شعبه على كتفه.

قبري ومأساة ميلادي على كتفي****وموطن العرب والمسلوب والسلبُ

 حتى بعد قيام ثورة 26 من سبتمبر وبسبب التشوهات التي أصابت الثورة نتيجةً للصراع الإيديولوجي بين أجنحة القوى اليسارية والقومية والإسلامية، الأمر الذي أتاح الفرصة للقوى التقليدية المتمثلة بالقبيلة والأسر الحاكمة التي ثار الشعب ضدها،

والتي عملت على إعادة إنتاج نفسها والتفّت على الثورة وشوهت النظام الجمهوري بدعم من المملكة السعودية الحليف التقليدي لها بغية أن تكون أياديها ووكلاؤها الحصريين في الداخل اليمني، للتحكم بقراره  السياسي والإقتصادي فكانت صرخته الشاعر الثانية في القصيدة التي مدح فيها الرسول (ص) عام 1970م بمناسبة عيد موله والذي قال فيها:

أرض اليمن دياري وهي مهد أبـي ***  تـئـن مـا بـيـن سـفاح وسـمسار 
يشـدهـا قيد سجـان ويـنهـشها *** سـوط  ويـحدو خطاها صوت خـمار
تـعطي القيادة وزيـرا وهو مـتجر *** بـجوعها فهو فـيها الـبائع الـشـاري
فكيف لانت لـجلاد الـحمى عــدن *** وكيف ساس حماها غدر فجـار
وقادهــا زعماء لا يبـررهـم **** فعل وأقوالهم أقـوال أبـــرار
أشـباه نـاس وخـيرات الـبلاد *** لـهم ووزنهـم لا يـساوي ربع دينـار
أكاد أسخـر منهم ثـمّ تضحكني*** دعواهم أنّهـم أصحاب أفكـار

صرخة أطلقها الشاعر لتخجل القيادات اليمنية الحاكمة حينها  نتيجة لما أحدثوه من تدمير للذات اليمنية، والتي كان آخرها مرحلة حكم علي عبد الله صالح التي حملت في ظاهرها أوجه النظام الجمهوري الديمقراطي وفي باطنها نظام مغاير ومناقض لكل الشعارات والمبادئ التي جاءت بها الثورة وحلم بها كل اليمنيين وبذلوا دماؤهم في سبيلها ومن أجلها، فأبرز الأخير القبيلة وعزز دورها وتماهى مع القوى الإمامية القديمة وأعاد إخراجها على أمل أن تكون أحد خيوط لعبته وأحد ألحان رقصه على رؤؤس الثعابين وفقاً لمنهجيته في الحكم وهدفه في توريث الحكم.

 مما أدى إلى تدمير كل الطموحات الوطنية بما فيها أهداف ثورة 26 من سبتمبر وأخرجها عن سياقها السياسي والوطني وأسس لنظام يقوم بالفعل على أسس جهوية قبلية وعائلية معلنة ومذهبية خفية ، وكرّس التمايزات بين الطبقات الإجتماعية والمدن والنخب الدينية، والسياسية،  والإقتصادية.

 حتى صار جمع الأموال وإقامة شراكة ومشاريع إقتصادية حتى عن طريق الزواج البرجماتي النفعي من الأسر التجارية والصناعية وبناء مشيخات قبلية وربطها بمصالح شخصية، تكون الحلقات الإجتماعية الموصلة بينه وبين طبقات المجتمع المسحوقة الهم الأبرز للنخب الحاكمة، مشكلةً بذلك نكسة وطنية على كل الصعد السياسية والإقتصادية والسياسية والقانونية.

  ومع تقديرنا واعتذارانا الشديد للقامات السياسية والأدبية سالفة الذكر، عن إدراج اسم على البخيتي صنيعة النظام السابق في معرض الحديث عن الصرخات الوطنية، فإن دوره  كبوق إعلامي متناقض ومأجور "وعلى بابك ياكريم"،

ولازلت أتذكر صرخة الأخ فهد الشرفي في إحدى الفعاليات قائلاً لاتتاجروا بدمائنا "نحن أبناء صعدة" وتأكلوا بنا العيش موجها كلامه للبخيتي، وقال أن" علي البخيتي" يأخذ مقابل مايقول ولا يبالي بما سيلحق بنا ولو دفعت له حركة الخمير الحمر، أو بوكو حرام، أو داعش لاشتغل معهم لابساً لكل حركة لباسها ولونها المناسب لها.

ذلك لأن البخيتي الذي شغل الفضائيات جدلاً وسجالاً مع الحوثين ضد النظام ومع إيران ضد التحالف ومع علي عبد الله صالح ضد الحوثيين ومع الحوثيين ضد السعودية ومع السعودية ضد الحوثيين ومع قبيلته ضد الكل، ما يهمه فقط هو دوام مصالحه على هامش الوطن المغيب عندهم.

ففي 28سبتمبر كتب البخيتي على موقع يمن برس أنه قرأ مذكرات حسين المسوري الذي ثبت أنه اختفى اثناء حصار السبعين يوماً وظهر بعد فك الحصار ثائراً باحثاً عن نصيبه في الكعكة، وله اليوم مذكرات حياة، اكتشف البخيتي بعد تلك القراءة انه لابد من انصاف أولاد الاحمر بعد اللقاء بهم في عَمَّانْ ، واكتشف أنهم مساكين وأن كل ما قيل عنهم كان كيداً وتجني ويجب أن لا يُعاملوا بجرائر أبائهم..

 صرخات عكسية ومواويل وزوامل أدخلت الوطن في دوامة لن يخرج منها ولن ينتصر إلا بوجود المخلصين الحاملين هموم الوطن والمواطن، والملقين بمصالحم وراء ضهورهم وإن افترشوا الرملاء والتحفوا السماء، تكراراً لمبادئ وفيم ثوار ثورة 26 من سبتمبر التي استمات في سبيلها الشرفاء من كل اليمن، والذين ترفعوا عن المكاسب الشخصية المادية أو السياسية فانتصروا لأنفسهم وللوطن ووطدوا النظام الجمهوري الذي بات عرضة للتآمر والتفكك اليوم من قبل سدنة المكاسب والمآرب وبقايا النظام الإمامي وعُكفته والمبخرين والمبشعين التقليديين والمعاصرين من حولهم من معظم أرجاء اليمن.
 

التعليقات