في أواخر كانون الثاني / يناير، سافر وزير الخارجية اليمني عبد الملك المخلافي إلى موسكو حيث التقى بنظيره الروسي سيرغي لافروف، وتناقشوا على تنفيذ تسوية سلمية بعيدة المنال في اليمن، وأبدى لافروف رغبة روسيا في التوسط بين الفصائل اليمنية المتحاربة.

بعد تصريح لافروف المفاجئ، صدر بيان عن وزارة الخارجية الروسية، وتحدث عن المحادثات الوسيطة في النزاع المتزايد بين الانفصاليين في جنوب اليمن وقوات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، التي يتولى رئاستها عبدربه منصور المتواجد في المملكة العربية السعودية.

وحتى وقت قريب، حافظت روسيا على وجودها الدبلوماسي في العاصمة صنعاء، ومدينة عدن الجنوبية، حيث توجد الحكومة الآن، بعد أن أخرجها الحوثيون من صنعاء في عام 2014. وخلال الحرب، استضافت الحكومة الروسية حوارات غير رسمية في موسكو مع الفصائل السياسية اليمنية التي تتفق مع كل من المملكة العربية السعودية وإيران، لذلك تم أخذ عروض موسكو للتوسط في اليمن على محمل الجد، وذلك وفقا لما نشر في موقع استعراض السياسة العالمية، الذي ترجمه "الموقع بوست".

إن رغبة الحكومة الروسية في العمل كوسيط في اليمن تتزايد نتيجة لمزيج من المصالح الإستراتيجية وتطلعات الوضع الإقليمي، وتتعلق المصالح الإستراتيجية الرئيسية برغبة موسكو في الاستفادة من موقع اليمن وتوسيع نطاق شركائها من الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أن أهمية اليمن الجيوسياسية لروسيا تراجعت بعد نهاية الحرب الباردة، إلا أن مكان اليمن في جنوب شبه الجزيرة العربية، وخصوصاً على طول مضيق باب المندب عند مدخل البحر الأحمر، يؤكد على أهمية ذلك بالنسبة لجهود موسكو في حسابات القوة في الشرق الأوسط.

ففي عام 2009، ذكر مسؤول عسكري روسي رفيع المستوى أن موسكو تنظر إلى جزيرة سقطرى اليمنية، قبالة القرن الأفريقي، كموقع قيم لقاعدة بحرية محتملة، وبوضع موطئ قدم لها في سقطرى سيسمح ذلك لروسيا بتأمين مصالح الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن، في حين يعطي موسكو موازنة فعالة للقاعدة البحرية الصينية في جيبوتي.

من أجل الحصول على هذا النوع من الوصول إلى الأراضي اليمنية، يبدو أن موسكو تستخدم المفاوضات الدبلوماسية في محاولة لتوحيد اليمنيين تحت قيادة زعيم علماني مستبد ويكون ممنون للمساعدة الروسية، وتقوم هذه الإستراتيجية على جهود روسيا في سوريا، والتي تم مكافأتها بإمكانية إقامة القاعدة البحرية في طرطوس والقاعدة الجوية قرب اللاذقية، وهذا هو جزء من رغبة موسكو في اكتساب دول جديدة كعملاء، أو على الأقل شركاء مدينين في العالم العربي.

وبالإضافة إلى هذه الطموحات الأساسية، يعتقد صناع القرار الروس أن الوساطة الناجحة في اليمن ستساعد موسكو على تعزيز الشراكات مع منافسيها الخليجيين كالسعودية وقطر، مع تعزيز علاقاتها مع إيران التي دعمت المتمردين الحوثيين في اليمن، وحلم روسيا هو حكومة ائتلافية في اليمن بقيادة رجل قوي مؤيد من الجميع يرغب في تقاسم السلطة مع كل من الإسلاميين السنة والحوثيين، مع إرضاء جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين في الخارج.

ومن أجل استرضاء المملكة العربية السعودية، عرضت روسيا المساعدة في إخراج الرياض من حرب الاستنزاف التي تزداد تكلفتها في اليمن، كما أن التسوية في اليمن ستكون أساس نظام سياسي لامركزي، كما يمكن أن تنظر إيران إلى الدور الروسي في اليمن بشكل بناء، وهذا يتوقف على شروط اتفاق سلام لم يتم الاتفاق عليه، وموسكو هي الوحيدة التي تحاول تشكيله.

وكما هو الحال في سوريا، يبدو أن روسيا تعتبر الصراع اليمني فرصة أخرى لعرض مهارات الوساطة على المجتمع الدولي، وأيضا لمواجهة التصورات حول التحيز المؤيد للشيعة الذي نشأ بعد تدخلها في سوريا لدعم الرئيس بشار الأسد الذي كانت طائفته العلوية التي تعتبر جزءا من الإسلام الشيعي، وحاولت روسيا أن تصور نفسها قبل كل شيء كصاحب مصلحة ملتزم بالحفاظ على الأمن الجماعي في الشرق الأوسط، وإذا تمكنت روسيا من إعطاء المصداقية لهذه الطموحات من خلال تسهيل حل الحرب في اليمن، فستتمكن من ترسيخ نفسها كموازنة دبلوماسية للولايات المتحدة في المنطقة.

ولكن لكل هذه الأهداف، فإن قدرة روسيا في التأثير على الأحداث على الأرض في اليمن هي بلا شك محدودة، مع عدم وجود وكيل لموسكو على غرار الأسد للعمل معه، فما مدى مصداقية عروض الوساطة التي تقدمها الكرملين؟ وقد أصبحت القيود المفروضة على النفوذ الروسي في اليمن واضحة بشكل خاص منذ أن قام المتمردون الحوثيون بقتل صالح في أواخر العام الماضي، وكقائد علماني كان قد حكم اليمن لعدة عقود قبل أن يستقيل في عام 2011، كان صالح هو الشخصية المناسبة لموسكو، حتى أنه أعرب في عام 2016 عن دعمه لتوسيع نطاق المشاركة الدبلوماسية الروسية في اليمن، لذلك دفعت وفاته موسكو إلى إعادة تقييم إستراتيجيتها.

ومنذ ذلك الحين، خرجت روسيا عن موقفها المحايد رسميا من اليمن من خلال انتقاد الحوثيين كقوة مزعزعة للاستقرار، وفى 12 ديسمبر، أجلت روسيا سفارتها في صنعاء والتى يسيطر عليها الحوثيون، ونقلت عدداً من الدبلوماسيين الروس البارزين إلى الرياض، و بعد أسابيع، أعلن لافروف أن الحوثيين قد تطرفوا بقتلهم صالح.

إن إدانات روسيا لسلوك الحوثيين، إلى جانب حوارها الوثيق مع الفصائل اليمنية المتنازعة مع السعودية، تقترح دعما أكثر لحكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وكان هذا المحور واضحا في بيان صدر في منتصف شباط / فبراير عن السفير اليمني في روسيا أحمد الوحيشي حليف هادي الذي اشاد بجهود روسيا لتعزيز الاستقرار في اليمن، ودعا إلى توسيع الدور الدبلوماسي الروسي.

لكن صناع القرار في الكرملين لا يبدو أنهم مختلفين على قرار بوجود طرف في اليمن يمكن أن يكون عائقا أمام دور الوساطة، ويستند هذا التفاؤل إلى الخبرة التاريخية، ففي منتصف الثمانينيات، ساعد الاتحاد السوفييتي على نزع فتيل التوترات بين شمال وجنوب اليمن، إلى دولتين منفصلتين، ويسر إعادة التوحيد الوطني، على الرغم من أن موسكو كانت متماشية بشكل وثيق مع النظام الشيوعي في جنوب اليمن، وبالإضافة إلى ذلك، تعتقد روسيا أنها يمكن أن تعزز شراكتها مع إيران للضغط على طهران لوقف تسليح الحوثيين، وإذا كانت روسيا قادرة على إقناع إيران بتعليق مشاركتها العسكرية غير المباشرة في اليمن، فسيضطر الحوثيون إلى قبول تسوية سياسية على شروط هادي، وتعزيز نفوذ روسيا في أي قرار.

في حين أن قدرة روسيا المحدودة على تشكيل الأحداث على الأرض في اليمن دفعت بعض المراقبين إلى التشكيك في مزاعم الوساطة، والكرملين يريد بوضوح أن يكون له دور، ونظراً لأهمية اليمن الإستراتيجية المتزايدة لروسيا، التي أقامت علاقة أوثق مع المملكة العربية السعودية والحكومة اليمنية التي تدعمها، يمكن أن تكون موسكو لاعباً غير متوقع في محادثات اليمن في نهاية المطاف، وإذا كانت الولايات المتحدة تهدف إلى احتواء النفوذ الروسي في الشرق الأوسط، فينبغي لها أن تراقب عن كثب مبادراتها.

*نشرت المادة في موقع (worldpoliticsreview) ويمكن العودة لها هنا .

*ترجمة خاصة بالموقع بوست.