في الذكرى الثالثة لحرب السعودية: اليمن وضع إنساني بائس ومحطة فشل للرياض (ترجمة خاصة)
- ترجمة خاصة الأحد, 25 مارس, 2018 - 12:07 مساءً
في الذكرى الثالثة لحرب السعودية: اليمن وضع إنساني بائس ومحطة فشل للرياض (ترجمة خاصة)

[ طفل يمني تعرض للإصابة بإحدى القذائف ]

سواء بالتصميم أو المصادفة تتزامن الذكرى الثالثة للتدخل العسكري الدولي في الحرب اليمنية مع زيارة محمد بن سلمان الرسمية الأولى إلى الولايات المتحدة الأمريكية كرئيس للعربية السعودية.

كان محمد بن سلمان هو العقل المدبر وراء التحالف العربي الذي كان يهدف في الأصل إلى استعادة النظام الانتقالي الذي أنشئ بعد الانتفاضات الشعبية عام 2011، وهو نظام يمكن وصفه تقريبًا على أنه يهدف إلى نقل السلطة من نخبة كربتوقراطية في اليمن إلى أخرى، وبغض النظر عن هذا الماضي، فإن الوضع في الذكرى الثالثة للهجمات الجوية الأولى على مدينة صنعاء، يسبب إحراجًا كبيرًا للنظام الذي يقوده بن سلمان.

حتى ترامب وهو مؤيد قوي للسعودية منذ أن تلقى ترحيبا ماليا واسعا في الرياض في مايو الماضي، وجد أنه من الضروري دعوة السعوديين لرفع الحصار عن الموانئ اليمنية في ديسمبر الماضي بسبب تأثيره الإنساني المريع.

وفي اجتماعهم في 19 مارس كان تركيزهم المشترك هو الحصول على مليارات الدولارات من بعضهم البعض، بما يعني أنه فيما يتعلق باليمن لم يذهب ترامب و محمد بن سلمان إلى أبعد من الاتفاق على أن الحل السياسي للصراع في اليمن ضروري.

كيف يموت اليمنيون؟

بعد ثلاث سنوات من الحرب دعونا نحدد عددًا قليلاً من السجلات، بدءًا من عدد القتلى، فوفقًا لـ "الأمم المتحدة" فقد قتل 10 آلاف شخص فقط، وهو رقم بالكاد تغير منذ مطلع عام 2016 على الرغم من القتال البري المستمر والغارات الجوية وحدوث أسوأ أوضاع إنسانية في العالم.

من المسلم به أن هذا الرقم يشير فقط إلى الوفيات المرتبطة مباشرة بالحرب، كما هو مسجل في 45% من المرافق الطبية التي لا تزال تعمل، وماذا عن 140 رجلاً وصبياً قتلوا في القاعة الكبرى بصنعاء في أكتوبر / تشرين الأول 2016، أو المئات وربما الآلاف من الرجال والنساء والأطفال الذين قتلوا في أخطاء "تفجير" أخرى من قبل قوات التحالف الجوية؟ أو بقصف الحوثي من الألغام الأرضية المتناثرة في جميع أنحاء البلاد؟ أو أولئك الذين يموتون جوعا ويموتون من المرض؟ هل هم ليسوا ضحايا الحرب؟

هناك أمر واحد واضح، لقد تسبب الحصار والحرب الاقتصادية في مقتل العديد من الأشخاص أكثر من العمليات العسكرية المباشرة، مات الآلاف من الأمراض وسوء التغذية، والآثار الجانبية المرتبطة بها، ومن بين 8 ملايين "على حافة المجاعة" مات آلاف بالفعل، ورغم أننا لا نملك أي أرقام لأن معظم اليمنيين يشعرون بالخجل من الاعتراف بأن أحباءهم قد ماتوا لأنهم لا يستطيعون شراء الطعام، لذلك تبقى هذه الوفيات غير معلنة.

كارثة إنسانية

يمتلك اليمن الشرف المريب في تسجيل رقمين عالميين في الوقت الحالي، الأول من أسوأ الأزمات الإنسانية مع أكثر من 22 من سكانها البالغ عددهم 29 مليون شخص في حاجة إلى المساعدة الإنسانية، غير قادرة على التمتع بمستويات معيشة مقبولة.

ففي الظروف "الطبيعية" السابقة  قبل الحرب كان يجري استيراد الجزء الأكبر من المواد الغذائية الأساسية كالأرز والشاي والسكر 100 ? ، والقمح 90 ?، وقد أدى الحصار إلى انخفاض كبير في الواردات التجارية التي تعالج 90? من الاحتياجات، وارتفعت أسعار المواد الغذائية المتاحة بسبب ارتفاع تكاليف الشحن والتأخير بسبب آلية التفتيش، والتأخير الإضافي الناتج عن القيود الإضافية للتحالف، وارتفاع رسوم التأمين على السفن المتجهة إلى اليمن، وارتفاع تكاليف الوقود.

كما أدى نقل البنك المركزي في أغسطس 2016 من صنعاء إلى عدن إلى تفاقم الوضع، مما منع معظم المستوردين من الحصول على خطابات الاعتماد اللازمة للتجارة الدولية، وأخيراً فإن انهيار الريال المرتبط بكل هذه العوامل هو مجرد مشكلة أخرى، ولذلك يواجه الناس طعاما أقل بتكلفة أعلى بكثير، بينما اختفت دخولهم المادية، وبات 18 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، أي يعانون من الجوع، لماذا؟

وسجل اليمن الثاني في العالم هو أسوأ وباء للكوليرا وانتشارها داخل البلاد، وهو مرض شديد العدوى ينتقل عن طريق المياه في جميع أنحاء البلاد حيث اضطر الناس لشرب المياه الملوثة.

اقرأ أيضا: في ذكرى الثالثة لحرب السعودية في اليمن.. هل صعود الحوثيين لا يقاوم؟

لا يستطيع معظم الناس تحمل تكلفة شراء مياه الشرب "النقية" أو لغلي الماء، سواء كان ذلك من خلال الصنابير أو الصهاريج أو الآبار أو الينابيع، وفي المدن والبلدات أدى تدهور الهياكل الصحية المحدودة بالفعل إلى زيادة مستوى التلوث في المياه، وعلى الرغم من سهولة علاج الكوليرا إلا أن الانتشار السريع للوباء ليس بالأمر المفاجئ عندما يتذكر المرء الشكل الكارثي للخدمات الطبية مع وجود أكثر من نصف المرافق خارج الخدمة.

وحتى الآن تم الإبلاغ عن 1.1 مليون حالة من حالات الكوليرا، وتوفي أكثر من 2200 شخص، في حين أن وباء الخناق قد بدأ في الأسابيع الأخيرة، وكان من الممكن تفادي كل هذه الكوارث بأقل قدر من التعاطف في البلد.

إذن كيف يعيش اليمنيون؟

وكما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى، يعتمد ملايين اليمنيين على الوظائف الحكومية، وفي جميع أنحاء البلاد لم يتم دفع معظم الرواتب لمدة 18 شهرًا، ولم يحصل سوى القليل من الموظفين على الحد الأدنى من مستحقاتهم، ولدى البلاد 1.25 مليون موظف حكومي، وبالتالي فإن عدد الأشخاص الذين يعتمدون على هذا الدخل يقع في مناطق يسكنها 10 مليون أو أكثر من ثلث سكان البلاد، بينما انخفض القطاع الخاص بنحو 50? مما يترك ملايين أخرى دون أي دخل.

قد يتساءل الناس لماذا في بلد حيث 70 ? من السكان الريف والأسر لا يعيشون من محاصيلهم وتربية الحيوانات، وحتى قبل الحرب كان الدخل الرئيسي لغالبية الأسر الريفية من الوظائف الحضرية غير الرسمية لأفراد الأسرة الذكور، وكانت الزراعة مكملة فقط، ويرجع ذلك إلى مزيج من العوامل، من بينها تقلص حجم المقتنيات مع زيادة عدد السكان، وعدم القدرة على التنبؤ بالأمطار، وتكلفة مياه الري.

وهنا مرة أخرى أدت الحرب والحصار إلى تفاقم الوضع، حيث ارتفعت أسعار الوقود والمدخلات، وجعلت التسويق والتوزيع أكثر صعوبة بينما انخفض الإنتاج، ولذلك انخفض إجمالي الناتج المحلي للبلاد بنسبة 47% في السنوات الثلاث الأخيرة.

في هذا السياق ما يثير الدهشة هو كم من الناس الذين يتكيفون مع الوضع، ومعظمهم باتوا يقللون عدد الوجبات التي يتناولونها ونوعية طعامهم، بحيث يصبحون تدريجياً أضعف وأكثر عرضة للإصابة بالمرض، وعدد قليل منهم لديهم وظائف مع المنظمات الإنسانية، أو في مشاريع الطوارئ المتبقية الممولة من الخارج، مثل مشاريع الصندوق الاجتماعي للتنمية، ومشروع الأشغال العامة.

ويتلقى آخرون تحويلات مالية من أقاربهم في الخارج، معظمهم في المملكة العربية السعودية، حيث لا يزال هناك حوالي مليوني مغترب يمني على الرغم من الحملة الحالية لطرد العمال غير السعوديين التي تؤثر على آلاف اليمنيين وما وراءها، لكن الكثيرين غيرهم من اليمنيين داخل اليمن ولا سيما الشبان وحتى الأولاد  ينضمون إلى الجيش من جانب أو آخر، وهو شكل التوظيف الذي يتم فيه دفع الرواتب بالفعل، وفي هذه الأثناء أصبح معظم اليمنيين معدمين ويائسين.

المجتمع الدولي والأزمة الإنسانية

قامت الأمم المتحدة بتشغيل خطة الاستجابة الإنسانية (HRP) في اليمن لسنوات، مع زيادة المتطلبات السنوية بسبب تفاقم الأزمة، وفي عام 2017 ، تلقت 72% من الأموال المطلوبة، وتناشد هذا العام الحصول على 2.96 مليار دولار، ومن المقرر عقد مؤتمر إعلان التبرعات في أوائل نيسان / أبريل في جنيف، وستعطي المبالغ المتعهد بها مؤشرا على مدى احتمال تحققها.

ومع ذلك، فإن هذه المهرجانات السنوية غالباً ما تكون أكثر بقليل من تمارين العلاقات العامة لكي تعد الدول بالكثير مما تقدمه في وقت لاحق، ففي السنوات الخمس الماضية كان متوسط ??تمويل خطة الاستجابة هو 60 بالمئة من المتطلبات، ويتم تقاسم تمويل تلك الخطة بين مختلف وكالات الأمم المتحدة، كبرنامج الأغذية العالمي، واليونيسف، ومنظمة الصحة العالمية وغيرها، ويذهب جزء كبير منها أيضاً إلى مجموعة واسعة من المنظمات الدولية غير الحكومية الأكثر كفاءة وجيدة السمعة، والتي تقوم بتنفيذ المشاريع مباشرة ومن خلال التعاقد من الباطن مع المنظمات غير الحكومية المحلية، مع تحمل النفقات العامة والهامة.

وفي إطار ردود الفعل على عمليات القصف العشوائي وقتل الضحايا الأبرياء في اليمن كأفقر دولة عربية، وبعد شهرين من بداية العاصفة في مارس 2015 ، أنشأ النظام السعودي مركز الملك سلمان للمساعدات الإنسانية والإغاثة، والذي يدعي أنه يخاطب العالم بأسره، ومع ذلك، فمن الناحية العملية ينصب تركيز المركز الأساسي على اليمن، فمن أصل 1.044 مليار دولار تم إنفاقها بين إنشاء المركز ونهاية فبراير/شباط 2018 ، كان 900 مليون دولار أمريكي في اليمن، وعلى الرغم من ممارسة المركز دور العلاقات العامة التي تهدف إلى تحسين صورة السعودية، فقد أعربت المنظمات الإنسانية عن مخاوف جدية بشأن إجراءات المركز المعقدة و التقييدية التي تثير تساؤلات حول احترامه لمبادئ الحياد في العمل الإنساني.

وبحلول هذه الذكرى الثالثة ينتقد الكونجرس الأمريكي والبرلمان البريطاني ومؤسسات الدولة الأوروبية التحالف الذي تقوده السعودية، والذي يركز في الغالب على الوضع الإنساني الكارثي المتدهور ومبيعات الأسلحة والدعم التقني الفني لشركاء التحالف الرئيسيين، وهما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

ورداً على ذلك أنشأ التحالف الذي تقوده السعودية العمليات الإنسانية الشاملة في اليمن  في يناير/ كانون الثاني من هذا العام، والتي من خلالها يتم تقديم مليارات الدولارات كمساعدات ودعم للاستجابة الإنسانية للصراع في اليمن، وتشير المعلومات المحدودة المتاحة إلى أن لديها هدفين حقيقيين: الأول هو تحقيق أقصى قدر من السيطرة على خطة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة التي تعهدت بتقديم أقل من مليار دولار أمريكي قبل نهاية مارس، والهدف الثاني هو التحكم في طرق التسليم، وزيادة تقليل دور ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثي حيث تصل 80% من واردات اليمن في الظروف العادية عن طريقه، وهو الميناء الأفضل لتسهيل وصول السلع إلى معظم سكان البلاد.

بعد الضغط على السماح بتركيب الرافعات الأربعة التي تمولها الولايات المتحدة، بعد تعطيل الرافعات الحالية من خلال استهداف دقيق للغاية في أغسطس 2015 منع السعوديون الاستبدال تحت ذريعة أن إيران تقوم بتهريب الأسلحة والسلع الأخرى إلى الحوثيين عبر الحديدة، وقام التحالف بتقليل عمليات الميناء إلى حد كبير.

ويعرف معظم صانعي القرار المعنيين أن طرق التهريب إلى اليمن تقع على طول ساحل بحر العرب، حيث يتم التحكم في ميناء الحديدة أولاً من قبل آلية التحقق التابعة للأمم المتحدة، والثاني عن طريق عمليات التحالف المباشرة، ويقترح مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية طرقًا بديلة للواردات اليمنية، كلها بعيدة كل البعد عن السيطرة الحوثية والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية المحتاجة للمساعدات، فهل يتعمدون تعقيد معاناة ملايين اليمنيين؟

ثلاث سنوات من الحرب: ما الذي تحقق؟

بعد ثلاث سنوات من تحول أزمة اليمن إلى دولية أين نحن؟ لقد فشلت محاولات الأمم المتحدة الثلاثة للتوصل إلى تسوية تفاوضية، منذ أواسط أغسطس / آب 2016 بينما تحولت الأزمة الإنسانية إلى كابوس.

الحوثيون لديهم سيطرة حصرية على المرتفعات الشمالية، والمناطق "المحررة" خالية من الحكومة، وتفرض مجموعة واسعة من الكيانات المحلية مستويات مختلفة من الإدارة، واليمن بات متجزئا، والنزعة الانفصالية في الجنوب آخذة في الارتفاع، وتتحرك المنظمات الجهادية لتجنب هجمات من قوات الأمن السلفية التي تدعمها الإمارات، كما أن الطائرات الأمريكية من دون طيار مستمرة،، والهجمات الجوية للتحالف العربي مستمرة أيضا.

وشهد هذا الشهر موافقة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على بيع مليارات الدولارات من مبيعات الأسلحة الإضافية إلى المملكة العربية السعودية، وتشير التعيينات الأخيرة لترامب إلى وجود إستراتيجية قاسية ضد إيران تتصادف بالتأكيد مع إستراتيجية النظام السعودي الحالي، ولا يمكن أن تكون الأمور أسوأ.

ومع ذلك، هناك بصيص من الأمل، ففي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يعمل بعض الأعضاء للتوصل إلى قرار جديد يمكن أن يمكّن من تجديد المفاوضات التي تعاني حالياً من الشلل بسبب قيود مجلس الأمن 2216.

إن مبعوث الأمم المتحدة الخاص الجديد خالٍ من الارتباطات السلبية لسلفه، وله سجل نجاح في مكان آخر، ويبدي الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأوروبية التزامًا قويًا بإيجاد حل يبرهن عليه وفد رفيع المستوى إلى صنعاء في الأسبوع الذي يبدأ في 19 مارس.

وعلى الرغم من فشلها إلا أن محاولة الكونغرس الأميركي إنهاء المشاركة النشطة للولايات المتحدة في دعم التحالف الذي تقوده السعودية تُظهر تزايد شعبية هذه الحرب في الولايات المتحدة.

إن القليل من اليمنيين سيشاركون في مزاج الحوثي الاحتفالي في هذه الذكرى الثالثة، لكن الملايين يتوقون لإنهاء هذه الحرب التي لا معنى لها، ودعونا نأمل أنه في هذا الوقت من العام المقبل سيكون لديهم سببا للاحتفال.

------------------------------------------------------

كتبت المادة هيلين لاكنر، وهي كاتبة بريطانية عملت في جميع أنحاء اليمن منذ سبعينيات القرن الماضي، وعاشت داخل اليمن لما يقرب من 15 عاما، وكتبت عن الاقتصاد السياسي للبلاد، وكذلك القضايا الاجتماعية والاقتصادية، كما تعمل مستشارة مستقلة للتنمية الريفية في اليمن وأماكن أخرى، وهي حاليًا محررة مجلة الجمعية البريطانية اليمنية.

ألفت لاكنر كتابا جديدا بعنوان "اليمن في الأزمات": الأوتوقراطية والليبرالية الجديدة وتفكك الدولة" ونشر من قبل دار الساقي في أكتوبر 2017، ويسلط الضوء على الوضع في اليمن، خاصة ثورة 2011م، وما تلاها من أحداث.

- بالنسبة للموقع (openDemocracy) فهو عبارة عن منصة إعلامية عالمية مستقلة تنشر ما يصل إلى 60 مقالة أسبوعياً، وتهتم بالتحليل للقضايا الاجتماعية والسياسية حول العالم.

-هذه المادة تعد الجزء الثاني في تناول المؤلفة للوضع في اليمن، ويمكن العودة للمادة الأصل على الرابط هنا

-ترجمة خاصة بالموقع بوست.


التعليقات