السعودية والهدير الآسيوي
الإثنين, 06 مارس, 2017 - 11:43 صباحاً

 
في جاكرتا، كما في كوالالمبور، يسمع الصحافي الزائر بوضوح ذلك الهدير الآسيوي العميق. هدير شعوب متعطشة إلى حجز موقع لها في المستقبل. شعوب لم تعد تعتبر الإقامة في حي المهمشين من القرية الكونية قدراً محتوماً. إننا نتحدث عن مئات الملايين. وما كان قبل سنوات مجرد حلم صعب بمغادرة عالم الفقر والبطالة والتخلف تحوّل تجارب تنموية غيرت مصائر ووضعت دولا ومجموعات كبرى على طريق المستقبل. سهّلت الثورات التكنولوجية انتصار عالم الأرقام على عالم الأوهام.
 
لدى ماليزيا ما تقوله للعالم. وكذلك إندونيسيا. واليابان منشغلة في مراكمة النجاحات. والصين تسابق الوقت على طريق الحرير وطريق المستقبل، بعدما احتلت موقع الاقتصاد الثاني في العالم. وترافق تزايد الثقل الاقتصادي مع تزايد الثقل السياسي. تحول الصعود الآسيوي واقعاً يشغل راسمي السياسات والاستراتيجيات. لا بد من النجاح الآسيوي شريكاً، وإن طال السفر.
 
أدركت السعودية أهمية التعامل مع الصعود الآسيوي الذي شكّل حدثاً مهماً في المشهد الدولي. قررت استكشاف الفرص وإرساء قواعد صلبة للتعاون. أدركت أيضاً أهمية تنويع الشراكات وتوسيع العلاقات، خصوصاً أنها لا تتم على حساب علاقاتها التقليدية وتحالفاتها الثابتة. زاد في قدرتها على التعامل مع المشهد الجديد أنها تشهد هي الأخرى ورشة تغيير لتأهيل اقتصادها، وتمكينه من القدرة التنافسية في العالم الجديد.
 
لم تكن الحفاوة التي استقبلت بها زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز في ماليزيا وإندونيسيا مفاجئة لأحد. فللسعودية بحكم موقعها الديني رصيد واسع لدى الشعوب الإسلامية وتاريخ من التعاون والتضامن والمبادرات. وبدا واضحاً في المحطتين أن الرهان على عمق العلاقة مع السعودية يبدأ من المواطن العادي قبل أن تعبر عنه الحكومات.
 
عكست الكلمات التي ألقاها الملك سلمان في ماليزيا وإندونيسيا اهتمام السعودية بتعميق سياسة بناء الجسور مع البلدين. بناء الجسور على أسس صلبة من المصالح المشتركة التي توفر أساساً راسخاً لعلاقات مستقرة. إنها لغة الشراكة في الفوائد المتبادلة. تعاون اقتصادي يوفر مزيداً من فرص العمل والنمو. وتبادل للخبرات التعليمية والتكنولوجية. وتشديد على أن العالم الإسلامي يواجه تحديات كثيرة، بينها تحدي العلم. ومواجهة هذا التحدي غير ممكنة من دون عصرنة التعليم واللحاق بركب التقدم العلمي. وبدا جلياً أن السياسة السعودية ترمي إلى تجاوز العبارات العامة التقليدية إلى تأسيس شراكات فعلية بلغة العصر الحالي.
 
محور آخر ظهر في كلام الملك سلمان بتشديده على أهمية التصدي للتطرف والغلو ومحاولة الإرهابيين اختطاف القرار في دولة أو منطقة ودفع العالم الإسلامي إلى هاوية الانغلاق والاصطدام بالعالم. لقد تحول بند مكافحة الإرهاب بنداً ثابتاً في كل محادثات المسؤولين السعوديين. وظهرت واضحة في البلدين الأهمية التي يعلقها الجميع على الدور السعودي في مكافحة الإرهاب الذي يدمي الدول الإسلامية نفسها قبل أن يدمي العالم. وشكّل لقاء الملك سلمان بقيادات الأديان في إندونيسيا رسالة على أهمية التمسك بالتعايش وقبول الآخر.
 
والمحور الثالث هو ما قاله العاهل السعودي في البرلمان الإندونيسي، حين حذر من مخاطر السياسات التي تقوم على التدخل في الشؤون الداخلية للدول، في إشارة منه إلى التدخلات الإيرانية التي تدمي عدداً من دول الشرق الأوسط.
 
اهتمام الدول بالدور الأساسي الذي تضطلع به السعودية في مكافحة الإرهاب يترافق مع اهتمام بتطلع السعودية إلى حجز موقعها في المستقبل عبر «رؤية 2030». الحديث عن الرؤية هذه صار هو الآخر من البنود الثابتة التي يتحدث بها مسؤولو الدول التي تستقبل مسؤولا سعودياً، لأن ثمار نجاح هذه التجربة لن تقتصر على السعوديين وحدهم.
 
لغة الجسور والأرقام هذه ستكون حاضرة أيضاً في محطتين كبيرتين مقبلتين في اليابان والصين. فهدير التقدم الآسيوي ينطلق من تراثات مختلفة وتجارب متباينة، لكنه يعكس حلماً مشتركاً هو حلم الصعود إلى قطار المستقبل.

* نقلا عن "الشرق الأوسط"
 

التعليقات