نعيش كأخوة او نموت كأغبياء !!
الإثنين, 10 أبريل, 2017 - 04:37 مساءً

لنتصالح مع الماضي ، بكل ما فيه من مواجع والام . المستقبل الجميل الذي ننشده ونتحمس له ، لا اعتقد انه سياتي هبة او منحة من الجيران او الاصدقاء ، وانما هو صنيعة تخلينا عن كثير من الانانية ، وكثير من الافكار السلبية الفاسدة المنتهكة لآدمية الانسان .

فما لم نتخل عن محاولات العبث بروح المجتمع المنسوجة من الطيبة المحبة للخير والسلام والوئام - وايضا – السذاجة والبلاهة واللامبالاة ؛ يستحيل التأسيس هنا لدولة ناهضة عادلة يسودها التعايش والتسامح والحياة الآمنة المستقرة .

السياسي الذي يفسد الحاضر بترهات واوهام واحقاد ، هو في حقيقة الامر كائن فاشل ميت ، فكم من اموات وهم احياء ؟ وكم من احياء وهم اموات ؟ . فلا تتعبوا انفسكم في البحث عن جنان عدن وسط لهيب الشعارات الحماسية المفضية للجحيم .

قيل ان الديناصورات نفقت وانقرضت من الوجود بسبب انها لم تتكيف ايجابا مع بيئتها الاخذة بالتبدل والتغير . فلو انها اتقنت طريقة الضفدعة في تكيفها العجيب مع جفاف المكان ، لكانت تلك الكائنات حية ترزق الان .

دوما اجدني استذكر قولة الراحل رسول حمزاتوف ، ايقونة داغستان ورسولها الامين الى العالم ، فعلى لسان ابو طالب ، احد ابطال قصته " بلدي " قال : اذا اطلقت نيران مسدسك على الماضي ، اطلق المستقبل نيران مدافعه عليك " . ونحن للأسف لا نطلق رصاصات مسدس فحسب ، وانما جميع الاسلحة الخفيفة والثقيلة .

واكثر من ذلك فلو لدينا اسلحة بيولوجية محرمة او حتى نووية لما ترددنا لحظة في تدمير الحاضر والمستقبل اعتقادا منا بفعل الصواب حيال ماض . نعم ماض هو في الحقيقة تواريخ واحداث طويت ، والاذكياء هم وحدهم فقط من يؤخذون من ماضيهم العبرة والدرس ، يعني الشيء النافع لحاضرهم وترك كل ما يضر به .

اما الاغبياء والسذج فحتما سيبقون يتناحرون على اوجاع وماسي الماضي ، انهم يماثلون اولئك الذين اضلوا العباد والبلاد ودمروا الاوطان قرونا ، بداع الثأر للإمام علي وعثرته الميامين ومن معاوية ونجله يزيد واتباعهم من الحكام الامويين . ففي هذه الحالة يصير الدم المعفر ظلما وعدوانا وجنونا مكرمة تستوجب الاحتفاء بها بدلا من الحزن والمناحة .

حالنا هنا يشبه قبائل " البوندو " الهندية ، فهذه القبائل تعد موت الرجل بفعل مرض او حادث ، بمثابة العار ، ذلك ان كرامته تفرض عليه ان يلاقي حتفه في معركة وليس في حادثة عرضية .
اما اكبر قبيلتان في جزيرة مدغشقر ، فتقومان بنبش رفات امواتها لتقيم احتفالات ومآدب ورقص صاخب . فكل ثلاث سنوات ، وتحديدا عند موسم حصاد الرز ، يقوم ذوي الموتى بتجميع عظام امواتهم . وفي مشهد سريالي غريب ، يستنفد احيانا ما ادخرته عائلات الموتى من غلالة الارز ، تقام المآدب الباذخة والرقصات الصاخبة ، وليومين متتاليين ، فكلما كانت الرقصات اكثر واطول حول الرفات كلما كان ذلك راحة وسكينة لروح الميت المحتفى به .

المحزن في هذه البلاد اننا ادمنا العيش في كنف ماض يعيد انتاج ذاته وان بوجوه عدة . فهناك من استوطن مرحلة الكفاح المسلح والاستقلال وما بعده ، واخرون فضل العيش في حقبة الانكليز وابان كانت عدن تضاهي المدن الحديثة ومينائها يزاحم موانئ نيويورك وشفيلد ومرسيليا . وهناك من بقي اسيرا لسنوات ما قبل التوحد وحتى اجتياح عدن بحرب شعواء همجية في صيف 94م وما تلاها من سنون حفلت بالاستعباد والقتل والهيمنة .

المهم وقعت ثورات وانتفاضات وحروب ،ورغم هول ما حدث ، لا يبدو من افعالنا وافكارنا باننا سنغادر الماضي البغيض ، كيما نؤسس لوطن اخر يعلي من قيم الحرية والتسامح والكرامة والانصاف ويروم لدولة يسودها العدل والمساواة والرخاء والاستقرار .

اننا وباختصار عاجزون عن الابتداع والخلق ، وهما مهمتان اساسيتان وحيويتان يصعب تحقيقهما دون رغبة وارادة وايثار . وعندما تبدد المجتمعات فرصها في التحولات الكبيرة ، فذاك انها منشغلة في صراعات ماضوية وفي تفاهات ضيقة لا تنتهي . ما يستوجب من عقلائها ان وجدوا ، ان يفكروا جديا بطريقة ما ، تنتشل هذه البلاد من حالتها الغارقة بالبؤس والفساد والتفكك والتبعية والفوضى والعوز والسلاح .

*من حائط الكاتب على فيس بك
 

التعليقات