سطحية الأحزاب
الإثنين, 06 نوفمبر, 2017 - 09:40 صباحاً

عند مراجعة مجريات الأحداث التي عصفت بالبلد وتحديداً منذ سقوط عمران ودور الأحزاب والقوى السياسية الوطنية إزائها، نجد قصصاً حزينة وتراجيديا وبؤس وعقم سياسي وانعدام خيال وتشتت وتشوه في الإطروحات والخطوات اللازمة لمواجهة جائحة الحوثي واجندته في السيطرة على اليمن أرضاً وإنسان.

طغت على المشهد تصرفات خرقاء أشعلت الحزن في النفس وفجرت براكيناً من الغضب في حنايا الضمير، فقد كانت كل القراءات السياسية لكل الأطراف السياسية وصُنَّاعها خاطئة ولم تكن دقيقة البتة وكان استشرافاً غبياً من قبل كل الأطياف السياسية وصُنّاعها.

سذاجة وخرف عاشته وتعيشه حتى الآن العقلية الحزبية اليمنية التي لم يدوايها آلام الجوع والمرض ولا القهر الإمامي المسنود بعكفة القبيلة وجهلها، ولم تصقلها الثورات الوطنية ولا الحركات الفكرية والثورات الثقافية ولا البعثات الدراسية المنتشرة في كل اصقاع المعمورة! ففي الوقت الذي لم تنته فيه بعد الحرب على الانقلاب السلالي الطائفي، باتت الأحزاب والتنظيمات السياسية عمياء تدفع بأرباب الهاشمية السياسية إلى الوزارات والأجهزة الأمنية وأجهزة المخابرات وكأن نُخَب المجتمع اليمني مصابة بكهوف غائرةٍ في الذاكرة وليست مجرد ثقوب سطحية عابرة تتذكر ما أحدثته تلك القوى بالشعب اليمني عبر التاريخ.

ففي ظل المآسي والظروف الحالية التي تمر بها اليمن جراء توغل العرقية الهاشمية في ترابه ومفاصل جسمه مسببة للشعب اليمني أحزاناً تاريخية وعذابات مستمرة لم تندمل لا زلنا نلاحظ تمكين أولئك في الحكومة الشرعية دون دراية وإدراك من قبل صناع القرار بتاريخهم الذي جفّف أنهار اليمن وهدم آباره العذبة وفتح مجرىً واسعا لشلال الدم اليمني الذي أنزف عروقه حتى اللحظة الراهنة.
 
نعم منذ أن حلت جائحة السلالية الهاشمية في بلاد اليمن السبئي الحميري تحوّلت البلدة الطيبة إلى ساحة حرب لا تنتهي ومقصلة إعدام لا سقف لها ولا حدود لكل معارض او مخالف في الرأي، وارتكبت فيها مجازر وجرائم تخرّ لهولها وبشاعتها الجبال الرواسي ويندى لها جبين الإنسانية أبد الدهر.  وبرغم كل ذلك نجد أن السلاليين مرحب بهم ويستقبلون بالأحضان أينما حلوا وحيثما اتجهوا على كراسي الدولة في كل مجال!

 وعند خروج البدر على إثر ثورة 26 من سبتمبر وريث الحاكم بأمر الله وترك العرش حتى انثنى كل أعوانه ورجاله وأقاربه ملتفين على السلطة بدعم القبائل المنتمية مذهبياً للزيدية السياسية بعد المصالحة المشؤومة، فانتشروا في مفاصل الجمهورية وتوزعوا فيها أفقيا وعموديا في القضاء والأمن العام والسياسي وتشكيلات الجيش، ودَقّوا أسافين الخلاف بين قادة الجمهورية الوليدة حتى اقتتلوا، لكي يتمكنوا من السيطرة مجددا على الحكم، فتم إقصاء كل من قاموا بالثورة المخلصين لأهدافها، "وكأنك يا بوزيد ما غزيت!"

اليوم وبرغم كل ما حصل في الماضي البعيد منه والقريب، وبرغم ما يحصل الساعة من حرب ضروس ودماء للتخلص من العرقية والهاشمية التي انقسمت على نفسها للحفاظ على وجودها، نجد الدفع بالمنتمين لذات السلالة في جناح الشرعية من قبل بعض الأحزاب قادة ومسؤولين. وعلى حذوهم حذا ويحذو المؤتمر الشعبي العام في إشكالية سياسية غائمة. كل ذلك والدماء لا تزال تسيل والجراح تنزف، والمعاقين جراء الحروب يملؤون الشوارع والمشافي، أما القتلى فقد ضاقت بهم الأرض وصارت اليمن مقبرة ليست للغزاة بل لأهلها من كل طبقة وجهة.
 
أما  أحزاب اليسار الأممية التي تناهض العرقية والأسرية والطبقية وفق أدبياتها فقد اعتبرت الميليشيات المذهبية والطائفية السلالية المتخلفة "قوة صاعدة ودماء جديدة جاءت لتخلص المجتمع اليمني من القوى الدينية والقبلية التقليدية وتدفع به إلى مصاف الدول الديمقراطية المتقدمة!" وأنا هنا لا زلت أتذكر المقابلة التي أجراها السلالي الهاشمي العابد مع أمين عام الناصري عبدالله نعمان الذي كان يبتسم شامتاً عاضاً على شفتيه عندما سئل عن على محسن وماذا يحب عليه أن يفعل؟  فرد هازئاً: يجب عليه أن يتوب! ما هذه الصرخة القومية التقدمية لهؤلاء؟!

وكي لا ننسى أيضاً، فإن الأقلام الاشتراكية التي كانت تسيل عذوبة وأماني على الصحف الالكترونية والورقية شوقاً للُقيا القوة الصاعدة التي عُلِّقت عليها كل الطموحات والأحلام موقنة أنها ستُخرج اليمن من عهد الظلمات إلى النور! إلا أنها خابت وخسرت وكانت أُولى طلائع المشرّدين في الداخل والخارج.

لام الناس عفاش لأنه مكن القوى التقليدية وبقايا الإمامة والسلالة، شعوراً منه بعقدة النقص وخوفاً ساكناً في عقله الباطن رغبةً بهم ورهبة منهم، يدفعه الهاجس في ذلك الاتجاه حين يشاء وذاك هاجسه المذهبية والطائفية حيث سادت على عقله وعشعشت في مخياله وروحه، ودفع به إلى تسليم زمام قافلة الشعب اليمني ودرعه الحصين الأمن الدولة والجيش لسلالة عرقية دخيلة على أمل التلاقي معها في نقطة سياسية أو منحنى فكري وأخلاقي.  إلا أن الأحداث التاريخية والمعاصرة كذَّبَت ْكل رهاناته وأركبته سحائب الخيبة والفشل، أستجار بهم فكان كما قالت الشاعر "المستجير بعمرو حين كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار".

التعليقات