مآسينا وحساباتهم
الأحد, 12 نوفمبر, 2017 - 10:22 صباحاً

في الحروب الحديثة التي تشهدها دول الشرق الأوسط والتي يدرك القارئ تفاصيلها ويتابع يومياتها بفضل التكنولوجيا التي سهلت وصول المعلومة الحية إلى الجماهير دون قيود، وكذا الضخ الإعلامي المتنوع والدافق كالسيول الهابطة من أعالي الجبال من قبل كل أطراف الحروب في معارك اعلامية لا تقل عن حدة المعارك العسكرية، إن لم تفُقها اهميةً.

 كل ذلك يقدم للمتابع معلومات كبيرة تتيح له قراءة الاحداث وابعادها ومالاتها بصورة دقيقة وأقرب ما تكون الى الواقع. ولعلنا نتفق جميعاً ان الدول ليست جمعيات خيرية تقدم خدماتها لوجه الله كما انه لا يوجد في السياسة مبادىء وقيم بل مصالح، فتاريخيا لم تهب أي قوى خارجية لإنقاذ شعب ما لاذ بها واستنجد بها من خطر داهم داخلي او خارجي، إلا وكانت حساباتها الاستراتيجية ومصالحها الاقتصادية والأمنية هي الدافع والمحرك في المقام الأول والأخير.

 فبداية بحروب الخليج الأولى والثانية اللّتين ملأتا العالم صخباً وجدلاً وانقساماً لا حدود له لا تزال تداعياتها الى اليوم، لم يكن التدخل العسكري لدول التحالف وقتها من اجل نصرة الكويت كما كان يُسّوق، بل دفاعاً عن مصالح تلك الدول في المقام الأول والتي استشعرت في اجتياح العراق للكويت خطراً داهماً يهدد مصالحها الاستراتيجية في منطقة حيوية كالخليج.

 في كتاب خريف الغضب للكاتب المصري هيكل يقول بأن أحد الشركات الفرنسية قدمت عقداً للشيخ جابر الصباح لإعادة بناء شركات الكهرباء في الكويت استغرب الشيخ و قال لهم بأنها لم تقصف بعد،  فردوا عليه "ستُقصف!"، و هو ما حدث بالفعل حيث تم تدميرها عقب التوقيع على العقد!! و هذا مثال مُبسّط على توجه عيون الغرب للدفاع عن مصالحهم الاقتصادية بداية من النفط وحتى الصدف البحرية التي يلفظها البحر على شواطئه جانباً في المقام الأول، أما العراق الذي أُعيد إلى ما قبل التاريخ كما هدد وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر في لقاء له مع طارق عزيز قبيل الحرب الأولى، فلم يعره أحد أي اهتمام.

كذلك الحمم التي يلقيها الأسطول الجوي والبحري الروسي على سوريا ودمر أخضرها واليابس، وحتى مدارس الأطفال ومعاملها الدراسية لم تسلم من ذلك الدمار والذي يستخدم الحرب على الإرهاب قناعاً ليستر فيه نواياه في السيطرة على حقول النفط وطرقه الى البحر المتوسط ومن ثم الى العالم الغربي كله. ولم يكن الشعب السوري ومصالحة حاضرة عند الدب الروسي من قريب أو بعيد، بل كان يتواصل مع بعض الفصائل المعارضة للنظام حول حفظ مصالحه واسقاط النظام نفسه إذا تأتى لهم ذلك.

 أما التدخل الفارسي في شؤون العراق وسوريا ولبنان واليمن مؤخراً فقصة تراجيدية أخرى، إذ لم تكن بعيدةً عن ذلك المنهج بل كانت في قلبه وصميمه يحدوه دعاوى تاريخية أخطر وأعمق من أهداف كل أولئك، تتمثل بأحقيته التاريخية في المنطقة برمتها والسيطرة والنفود على الجزيرة العربية وكل بحارها وثرواتها، وحتى الانسان القاطن فيها يجب أن يصلي تجاهها ويأتي إليها الأعرابي طالبة هبة أو عوناً كما كانت الأعراب تقصد كسراها في قديم الزمان.

 وما الدماء التي تجري اليوم والأرواح التي تُحصد في اليمن إلا أحد جرائمها التي لن تنساها الذاكرة اليمنية الطبيعية والتقنية العلمية ما أشرقت شمسٌ ولاح نهار.

فالحرب التي تحصد أرواحنا وتدمر ممتلكاتنا اليوم ليست من أجلنا كشعب يمني ولم ندخل في حسابات القوى الساعية للسلطة بدعاوى الحق الإلهي أو القبلية بدعاوى العصبية وحق طائفة بالحكم والبقية لا بد أن يعيشوا مستهلكين أو رعية.

وكذلك التدخل الخارجي من قبل دول التحالف العربي التي لم تكن اليمن في حساباتها وهي تسحق في ساحات 2011م، وهي تقتل في كل حروب صعده وهي تتضور جوعاً طوال مراحل الحكم السابقة منذ قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وقبلها بعقود حتى 32 مارس 2014م ووصول القوى الانقلابية إلى مشارف عدن، النقطة التي كانت الفاصلة في قيام الحرب الضروس التي تدور رحاها على كل شبرٍ في الوطن، أما الأرض التي تم السيطرة عليها قبلها كانت مباحة لا تعني أحد من الداخل أو الخارج!

وعندما ينطلق صاروخاً عابراً الحدود اليمنية يتردد صداه حتى يسمع من في اذنه صممُ أما الوضع الذي يعيشه المواطن اليمني في اليمن، ساحة الحرب التاريخية التي أورثته الفقر المزمن كما ذكر الأستاذ عباس العقاد في كتابه "الديموقراطية في الإسلام" فصار يجوع ويعرى ويهان في المطارات الدولية وأمام مكاتب الهجرة والجوازات الأجنبية، فلا يعني ذلك أحد من قوى الداخل أو الخارج بعد أن صودرت كل حقوقه الانسانية، حتى المشاركة في صناعة قرار حربه تقدماً أو تراجعاً، توقفاً أو استمراراً، خرج من يده حتى الأطراف المحتربة نزُع منها القرار وصار رهناً لمصالح الدول التي تخوض الحرب "الشرعية" لاستعادة الدولة ودحر الأطراف الانقلابية التي تمثل ايران وتخوض حرباً عنها بالوكالة.

ولقد صرنا شرايين للدماء مفتوحة تنزف فقط حد تعبير كاتب الوطن والحقيقة، الدكتور مروان الغفوري.

التعليقات