إيران.. المشهد الداخلي وسيناريوهات المستقبل
الأحد, 31 ديسمبر, 2017 - 10:55 صباحاً

بعد تسرب الأنباء عن احتجاجات وتظاهرات واسعة في عدد من المدن الإيرانية، على رأسها مدينة مشهد، صدرت بيانات من الحرس الثوري الإيراني، وأخرى من الجيش، تذكر بالنصر الذي أحرزته الدولة على خصومها في احتجاجات 2009 عقب انتخاب محمود أحمدي نجاد.
 
لم يمر وقت طويل حتى خرجت تظاهرات مضادة في شوارع المدن الإيرانية لمواجهة المحتجين؛ استعدادا لتجريد هذه الاحتجاجات من مشروعيتها المطلبية، والتي تركز على الأوضاع الاقتصادية المتدهورة لدى قطاع واسع من الايرانيين، فهل ينجح التكتيك القديم الجديد في مواجهة الأزمة وإرباكاك المشهد؟
 
الأزمة مختلفة من حيث الجوهر عن سابقتها في 2009 إذ ارتبطت بالاحتجاج السياسي على إعادة انتخاب نجاد، وخسارة الإصلاحيين بقيادة مير حسين موسوي، في حين أن الأخيرة مرتبطة بأزمة اقتصادية وبيئة دولية وإقليمية متغيرة؛ فروقات ستلقي بظلالها على التكتيكات المتبعة في ايران لمواجهة الاحتجاجات التي ستميل اكثر نحو اتهام الناشطين في هذه التظاهرات الارتباط بقوى أجنبية؛ ما سيسهل عزلهم على عكس الكتلة السياسية الكبيرة التي مثلها موسوي والى جانبه خاتمي ومن خلفهم رفسنجاني الذين اعتبروا من اطراف النظام السياسي.
 
الأزمة سيتجاوزها النظام الإيراني، وستمثل نقطة بداية لجهود اكبر للتعامل مع ملف الأزمة الاقتصادية وتسريع الإصلاحات الاقتصادية التي بدأها روحاني بإقالة عدد لا بأس به من قادة وموظفي حرس الثورة الذين تمتعوا بنفوذ اقتصادي كبير لصالح تنشيط القطاعات الاقتصادية الخاصة.
 
وبالرغم من ذلك فإن ايران ستبقى على موعد مع أزمة جديدة برحيل المرشد الأعلى علي خامنئي الذي عانى خلال العامين من إشكالات صحية خطيرة؛ فاستقرار النظام السياسي مسألة مستبعدة في السنوات القادمة وستزداد خطورة في حال لم تتمكن ايران من إجراء إصلاحات اقتصادية، ومن تخطي شبح العقوبات الذي يتهدد استقرار نظامها السياسي، فهي على موعد مع أزمة مزدوجة سياسية واقتصادية في آن واحد.
 
رغم كل هذه الإرباكات والحقائق، فإن حسم الموقف في ايران خلال السنوات القادمة لن يكون رهينا بالسياسة الأمريكية والأوروبية التي تراهن على تحولات بنيوية وهيكلية في النظام السياسي؛ فالصين وروسيا لها مصالح قوية في ايران تفوق في أهميتها مصالح أوروبا وأمريكا، كما أن تركيا وباكستان لها مصالح قوية وحيوية في استقرار النظام السياسي الإيراني من خلال الانفتاح عليه، وخلق شراكات تسمح بمواجهة تحديات الحقبة الانتقالية الصعبة والمتوترة في النظام الدولي.
فالصين تنظر إلى ايران كنقطة ارتكاز أساسية غرب أسيا ووسطها وهي جزء من مشروعها طريق واحد حزام واحد، ولن تتخلى عنها لصالح الولايات المتحدة، كما أن روسيا لن تخسر حليفا موثوقا في المنطقة لعب دور الحليف والشريك في العديد من الملفات.
 
ايران في ضوء التجاذبات التي ستشتد خلال السنوات المقبلة ستكون أمام سيناريوهين؛ احدهما يدفعها نحو تبني النموذج الكوري الشمالي في حال تمادت أمريكا والقوى الغربية في استثمار الإرباك الداخلي مدعومة من الصين وروسيا؛ والسيناريو الثاني يتجه نحو انفتاح ايران وإجرائها مساومات واسعة تدعم من استقرار نظامها السياسي بالتعاون مع روسيا وتركيا وباكستان واطراف عربية، مساومات تحقق دورا سياسيا يتناسب مع حجمها الحقيقي لا مع طموحاتها المكلفة في الإقليم العربي؛ فإيران تملك العديد من الأوراق التي تتيح لها المساومة للخروج من مأزقها الاقتصادي معززة بطموحات صينية في المنطقة وروسية و شراكات سياسية تتناسب مع حجمها الحقيقي بعيدا عن الطموحات السياسية المتضخمة والمكلفة في آن واحد.
 
أخيرا، فإن خيارات طهران نابعة من قوة نظامها السياسي، واتساع مروحة خياراتها وتحالفاتها؛ فرغم الاختلالات الناجمة عن تقادم النظام السياسي وتوسع طموحاتها، إلا أن الأسباب ذاتها هي التي وفرت له الأدوات للمناورة وإعادة التكيف والمساومة، هذه القدرة التي تجعل من المستحيل على طهران الاستسلام لمطالب المتظاهرين في الشارع فلدى ايران رؤية ومرونة كبيرة تتيح لها النجاة من إرباكاتها الداخلية، وفي أقصى اليمين يقبع النموذج الكوري الشمالي، ما يجعل طهران خاسرا كبيرا في هذه المعادلة ومجرد تابع لروسيا والصين، وهو ما ستجد فيه واشنطن وأوروبا أيضا كارثة كبرى.
 
السبيل الأردنية

التعليقات