مهازل الساسة العرب (وزوجاتهم) في عيد الأمّ
الجمعة, 23 مارس, 2018 - 10:56 صباحاً

انتهز بعض الساسة العرب قدوم عيد الأم (وهو مناسبة عاطفية جليلة تمسّ كل البشر) لتوظيفها في دعاوى انتخابية أو عسكرية أو حتى عنصرية.
 
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، المشغول حاليّاً بالاحتفال بتتويجه رئيساً مرة ثانية، ضمن العملية الفكاهية التي يسميها المستبدون: الانتخابات، وجدها فرصة لتحشيد النساء للتصويت له مقدّما، في المقابل، بعض التصريحات الركيكة من قبيل تحذير الحكومة المصرية بأنها «ممكن فجأة تلاقوا الحكومة كلها بقت سيدات»، وبأنه ما زال محتاجا لهن «علشان المشوار لسه ما خلصش»، لكنّ أسوأ تلك التعليقات المجانية كان قوله أنه التقى بأسر الشهداء وأنه لم يصادف سيدة مصرية «معترضة على فقدان ابنها أو زوجها شهيدا»، وهذا القول في منتهى الصلف لأنه يحوّل الأمهات إلى تماثيل من حديد ويصادر عواطفهن الإنسانية لصالح صنم الدولة التي يمثّلها السيسي نفسه.
 
وفي تفضّله عليهن بلقب أمهات وزوجات الشهداء يقوم السيسي بتناسي مسؤوليته السياسية عن مقتل أبنائهن وأزواجهن، كما يتناسى طبعاً أمهات وزوجات آلاف من القتلى الآخرين الذين سقطوا باعتبارهم «إرهابيين» خلال اعتصام «رابعة»، وفي الحرب الأمنية السياسية اللاحقة التي تبعت تلك المجزرة ضد أنصار الإخوان المسلمين، وبعدها ضد كل من يعارضون النظام.
 
المثال الفاضح الثاني عبّرت عنه «مبادرة» أعلنها وزير الخارجية اللبناني، وصهر الرئيس، جبران باسيل، ويدعم فيها حق المرأة اللبنانية المتزوجة من شخص غير لبناني بإعطاء حق الجنسية لأولادها، مع استثناء بسيط: المواطنون من «دول الجوار»، في إشارة طبعاً إلى السوريين والفلسطينيين، الذين يحرص جبران على «حقهم في العودة إلى بلادهم»، وكل ذلك تحت دعوى «منع التمييز ضد المرأة»!
 
ورغم أن التبرير الجاهز كان «منع التوطين»، لكن باسيل لم يخجل من ذكر التبرير الحقيقي وهو الخوف من «خلل ديمغرافي لصالح المسلمين»، وفهمه اللبنانيون وغير اللبنانيين باعتباره ما هو عليه حقّا: عنصرية طائفية، وهي ظاهرة متداولة في سوقي السياسة والشارع اللبنانيين بحيث لم يعد السياسيون اللبنانيون أمثال باسيل مضطرين أصلاً لإخفاء عنصريتهم وطائفيتهم الفاقعة.
 
ثالثة الأثافي جاءت عبر فيلم مصور لأسماء الأخرس، زوجة بشار الأسد، تحتفل فيه مع عدد من المقاتلات المواليات للنظام بعيد الأم بعد يوم من الجولة «السياحية» لزوجها الدكتاتور السوري في غوطة دمشق التي كانت مسرحاً لحصار وتجويع وقصف وتقتيل لأربعمئة ألف نسمة على مدى سنوات.
 
هنا أيضاً يتمّ تلويث عيد الأم واستخدامه كسلاح «كيميائي» لاستهداف مزيد من الأمهات السوريات المكلومات، فأسماء تطالب مقاتلاتها المواليات بترك دفاتر الدراسة وحمل البنادق، واستبدال فساتين العرس بالألبسة العسكرية… إلى آخر ما في هذا الإنشاء البلاغي الحربيّ من احتقار هائل للسوريين الذين تعرض الملايين منهم لعملية تهجير ظالمة، ومئات الآلاف للقتل والسجن والتعذيب.
 
لا تكتفي زوجة الدكتاتور بالقتل والتهجير بل تعتبر من غادروا من الذكور هربا من قصف طائرات ومدافع النظام «ليسوا رجالا»، فمهمة الرجولة (والأمومة طبعاً) هي خدمة الآلة الحربية للأسد وزوجته ونظامه، أو الموت في سجونه وتحت قذائفه.
 
تجمع هذه التصريحات كلّها حالة عربية فريدة من الأنانية السلطوية المريضة، والتجبّر غير المعقول، والاستهانة الشديدة بالقيم الإنسانية العامّة، والفظاظة المتناهية ضد الناس، وتغرق جميعها في دماء البشر.
 
وكلنا أمل أن تتحرر الأمهات العربيات يوماً، وعيد الأم أيضاً، من المستبدين وخطبهم العصماء.
 

التعليقات