محمد أبو تريكة.. مصر إذ تخسر قوتها الناعمة
السبت, 24 مارس, 2018 - 02:46 مساءً

وضعت السلطات المصرية النجم الكروي الدولي الشهير محمد أبو تريكة على قوائم الإرهاب، وقامت بالتحفظ على أمواله ولا أحد يعلم إلى أي مدى كانت الإجراءات ستمضي معه لو كان هنا في مصر، حيث وقعت أغلب الإجراءات وهو خارج البلاد للتعليق على مباريات بطولات كرة القدم  لإحدى القنوات الفضائية، فلما حدث ما حدث حذره البعض من العودة إلى بلده لأنه معرض للقبض عليه أو على أقل تقدير منعه من السفر، ومن ساعتها وأبو تريكة يقيم في العاصمة القطرية الدوحة، التي هي على خلاف سياسي كبير مع القاهرة، غير أن الملاحظ أن أبو تريكة لم يشارك في أي جدل سياسي متعلق بمصر طوال فترة وجوده، وتقتصر أعماله على التحليل لمباريات الكرة.
 
 لو استطلعت آراء العرب من المحيط إلى الخليج عن محمد أبو تريكة لتلقيت الإجماع على أنه شخصية موهوبة وخلوقة ووطنية وإنسانية ووافرة الاحترام، ولو حاولت أن تصفه أمامهم بأنه "إرهابي" فربما تعرضت لما لا تتخيله من ردود الفعل الغاضبة، وسيسخر منك الجميع في أقل الأحوال، ولكن مع الأسف هذا ما يوصف به أبو تريكة في مصر رسميا، وما يحرص بعض أصوات السلطة المتشنجة والمتطرفة على وصفه به كلما جاء ذكره في أي مناسبة، وعندما انتشرت أخبار الصداقة التي تربط اللاعب العالمي محمد صلاح بأبو تريكة، وكيف يتخذه قدوة له ويعتبره أخا أكبر ولا تتوقف الاتصالات بينهما، بدأ الإعلام المجنون بالغمز واللمز في محمد صلاح نفسه واتهامه بأنه متطرف ويصاحب الإرهابيين ! ثم بدأوا يلوحون له بأن تهمة الإرهاب قد لا تكون بعيدة عنه، غير أن التوهج المثير للدهشة لمحمد صلاح مؤخرا وحديث العالم كله عنه، يبدو أنه جعل مراجع عليا في الدولة، ممن يوجهون الشاشات وأصواتها من وراء ستار، يأمرون هؤلاء المتطرفين بالتوقف عن الهجوم على محمد صلاح الآن.
 
 في أدبيات السياسة الشهيرة، هناك ما يعرف بالقوة الناعمة للدول، ويقصد بها ما تمتلكه تلك الدول من نماذج إنسانية رفيعة في الفن والرياضة والإعلام والثقافة والدين والفكر، تكون لها شهرة إقليمية أو عالمية، وتحرص الدول على حماية تلك النوعية من نماذجها الرفيعة التي تحظى بقبول دولي وعالمي، بل وتدللهم أيضا استثنائيا، لأنهم يحققون لها ما يستحيل عليها تحقيقه ولو أنفقت مليارات الدولارات، بل إن هذه القوة الناعمة تترجم أحيانا ـ وتحت شروط معينة ـ لقوة اقتصادية تعزز اقتصاديات الدولة بمليارات الدولارات، فهناك أغنية واحدة لاثنين من مطربي أمريكا اللاتينة تسببت في رفع نسبة السياحة في بلدهم خمسين في المائة، وعندما أحرز محمد صلاح رباعيته الشهيرة الأسبوع الماضي ارتفعت البورصة المصرية بشكل استثنائي ومفاجئ، إضافة إلى لجوء كثير من الدول لاستخدام قواها الناعمة في بسط نفوذها السياسي والمعنوي في دول الجوار أو المجتمع العالمي، وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إذا زار دولة خليجية يصحب معه بطل مسلسل "أرطغرل" الشهير، لما له من شهرة طاغية في العالم العربي، وكانت الاحتفالات به أحيانا أكثر من الاحتفال بأردوغان نفسه.
 
 ما هو المكسب الذي حققته الدولة المصرية وأجهزتها عندما وضعت لاعبا بحجم محمد أبو تريكة على قوائم الإرهاب، وتصارع الآن أمام المحاكم من أجل إثبات التهمة عليه وتناضل بصرامة لمنع القضاء من رفع التحفظ على أمواله، هل هناك دولة تملك عقلا سياسيا يمكن أن تفعل ذلك في واحد من أهم رموز قوتها الناعمة في العالم العربي وفي إفريقيا، بعض المواطنين في إفريقيا عندما كان الصحفيون يسألونهم عن مصر ماذا تعرفون عنها، يقولون: نعرف النيل والأهرامات ومحمد أبو تريكة، فعلى مدار عشر سنوات كان أبو تريكة علما مصريا في إفريقيا، وحقق لمصر بطولة إفريقيا ثلاث دورات متتالية، وهو يواجه منتخبات تملك لاعبين في أكبر أندية العالم، وحقق للنادي الأهلي صاحب الشعبية الكبيرة الكثير من البطولات التي سطرت اسمه في صفحات التاريخ الرياضي، وتضامن مع أطفال غزة عندما كانت تقصفهم الطائرات الإسرائيلية بكتابة اسمها على قميصه الرياضي أمام الشاشات، مما ألهب خيال العرب جميعا وتحول إلى ما يشبه الأسطورة الرياضية في العالم العربي.
 
 ما حدث، باختصار، أن مصر هي التي خسرت، مصر الدولة ومصر الوطن أيضا، فلا هي أقنعت أحدا بأن أبو تريكة إرهابي، ولا تستطيع أن تسوق كلامها هذا في أي محفل دولي، رياضي أو غير رياضي، لأنها ستتعرض للسخرية من الجميع، ولا هي استطاعت الاستفادة من لاعب بحجمه يمثل قوة ناعمة هائلة لبلاده، وسوف تبذل ـ قريبا ـ جهدا مضاعفا من سمعتها ومن كرامتها أيضا عندما تحاول أن تفسر للعالم الصداقة القوية والاحترام الكبير الذي يربط أبو تريكة بأغلب اللاعبين الكبار في مصر وبالأيقونة المصرية العالمية الجديدة "محمد صلاح".
 
 مشكلة مصر الأكبر في هذه المرحلة، أن العقل الأمني هو الذي يقود أغلب خطوات الدولة واختياراتها وقراراتها، لذلك تبدو كثير من القرارات والمواقف بالغة الغرابة والدهشة عندما توزن بأي معيار سياسي.
 
 
*المصريون المصرية
 

التعليقات