كأس العالم لكرة القدم وأزمات العرب
الثلاثاء, 19 يونيو, 2018 - 10:13 صباحاً

لا أستطيع أن أخفي سعادتي الكبيرة عندما علمت بتأهل أربعة فرق عربية لمباريات كأس العالم لكرة القدم، ورحت أتابع تلك المباريات وجهود ومستوى المهارات التي يتمتع بها الأفراد وكذلك الفريق ككل. حزنت حزنا شديدا عندما شاهدت الهزيمة الكبرى للفريق السعودي أمام فريق الدولة المضيفة روسيا الاتحادية. كانت الأسرة كاملة متحولقة حول التلفاز يهتفون ويشجعون كل ركلة كرة للفريق السعودي، حفيدي يبلغ من العمر السابعة، سألته لماذا تشجع الفريق السعودي؟ قال أشجعه لأنه عربي ولا غير.
 
قلت إنهم يحاصرون قطر وقطعوا عنك حليب المراعي، قال بعفوية "حليب بلدنا طلع أحسن"، وماذا عن الحصار؟ قال المدرسة لا تعلمنا شيئا عن الحصار ولا أعرف عنه. استشف من هذا القول لحفيدي بأن مناهج التعليم في قطر وكذلك منابر الجمعة لا تتناول هذه المسألة "الحصار" كي لا تعمق القطيعة بين أفراد الجيل القادم من أهل الخليج العربي، فهل يفعل الآخرون ما نفعل في قطر؟، أرجو ذلك. 
 
 انتقلنا إلى الفريق المصري، وتحمست الأسرة للفريق المصري، وتعالت أصوات صغار وكبار العائلة تشجيعا للفريق المصري، وقلنا سيمسح الفريق المصري بفوزه دموع الحزن لهزيمة / نكسة الفريق السعودي، ومع الأسف خابت آمالنا. وعقدنا العزم / والحزم وتبادلنا مقاعدنا في المجلس فلعل النصر يأتي على إيقاع أقدام الفريق العربي الثالث فريق المغرب الشقيق ولكن حبطت آمالنا بهزيمة المغرب وخيم الصمت على أفراد الأسرة المتابعين لسير تلك المباريات سألني حفيدي تميم حفظه الله أليس عند العرب فريق قوي يبيض الوجه ولو مرة واحدة؟، وعقب والده بالقول هناك أمل قوي في الفريق العربي الرابع تونس، وقال ابنه في ربيعه السابع سأنتظر على أمل.
 
 زوجتي يكتب الله لها الشفاء على الهاتف عبر البحار (نيويورك) تستفسر عن نتيجة كل مباراة عربية وفي كل مرة نقول لها بالنتيجة السلبية وبعد مباراة المغرب اتصلت تسأل وقلنا لها لم نحقق أملنا، كان تعليقها "لم تفلح أنظمتنا العربية في خلق فريق/ فرق عربية نباهي به/ بها بقية دول العالم، مع الأسف نجحنا في تكسير مجاديف بعضنا بعضا وكان آخرها التصويت في الجمعية العمومية لـ "الفيفا" عندما خذل مجموعة من العرب بتصويتهم ضد استضافة المغرب الدولة العربية الشقيقة لمونديال كأس العالم عام2026، وصوتوا لصالح أمريكا، وكل العرب المصوتين ضد المغرب الشقيق فسروا تصويتهم تفسيرا يعبر عن جهل وخسة ونذالة، راح أحدهم يعلل تصويته ضد المغرب لصالح أمريكا لأن الأولى لم تنضم إلى مجموعة الأربع المحاصرين لقطر (السعودية ومصر والإمارات والبحرين) وفوق هذا مدتهم أي مدت قطر بالمعونات الغذائية والدوائية طيلة سنة الحصار.
 
 يا للهول!! يعاقبون دولة عربية لأنها لم تلحق أضرارا بدولة عربية أخرى استجابة لرغبة دول الحصار المفروض على قطر؟
 
(2)
 
لابد من الإشادة بموقف دولة قطر في شأن تأييد ملف المملكة المغربية المقدم للفيفا بهدف استضافة مونديال كأس العالم لسنة 2026، رغم كل الضغوط التي مورست عليها، ورغم جهود دول الحصار للوقيعة بين الولايات المتحدة الأمريكية وكندا ودولة قطر، إن صوتت لصالح ملف المملكة المغربية الشقيقة. ويقيني بأن قطر تلقت عتابا من تلك الدول ويقيني أن الرد القطري كان مقنعا لتلك الدول التي مارست ضغوطها علينا في بادئ الأمر. قيل هذه مسألة رياضية عالمية والانتخابات أو التصويت على شأن من الشؤون يعتبر حقا سياديا ديمقراطيا للدولة حق ممارسته، وأمريكا دولة عظمى لا يمكن أن تنزل إلى صغائر الأمور كما يريد الصغار لها أن تكون.
 
 الإشادة والشكر موصولان إلى الدول العربية الـ14 التي صوتت لصالح ملف المغرب انطلاقا من مبدأ عربي "أنا وأخي العربي على الغريب" وانطلاقا من قرار جامعة الدول العربية الداعي إلى تأييد الملف المغربي عضو جامعة الدول العربية، ولكني أخص بالشكر والتقدير الجزائر وموقفها المؤيد لملف المغرب رغم الخلافات السياسية المتعمقة في وجدان النظامين السياسيين الجزائري والمغربي حول إقليم "الصحراء"، ولكن في المسائل القومية العربية والإسلامية لا مساومة ولا حياد، يجب علينا جميعا أن نقف مع كل دولة عربية في مواجهة الدول الباغية علينا جميعا بأي شكل كان ذلك البغي، حتى ولو انتزاع حقنا في استضافة أي نشاط دولي سلمي كتنظيم مونديال رياضي أو معرض تجاري أو غير ذلك من الأنشطة الدولية.
 
(3)
 
السؤال الذي يطرح نفسه هنا بقوة، ماذا سيكون موقف إخواننا السعوديين الذين سيتوافدون على المغرب لقضاء إجازة الصيف لو واجهوا ردات فعل غاضبة على موقف بلادهم في مسألة التصويت؟ هناك الكثير من السعوديين يملكون عقارات وخاصة أفراد من العائلة الحاكمة وتابعيهم ولم تتعرض أملاكهم لأي ردة فعل غاضبة رغم مرارة وجور ما فعله الأهل في السعودية ضد تطلعات الشعب المغربي الشقيق في تنظيم كأس العالم بعد القادم، قد يقول حاقد في هذا الخِصوص، أرض الله واسعة وسننتشر في الأرض، لكن الرفاه وحسن الضيافة التي يتمتع بها أهلنا في المملكة المغربية لن يكن لها مثيل في أي أرض أخرى.
 
 آخر القول: إنني أتوجس خيفة أن تتصاعد الأزمة الخليجية إلى ما لا تحمد عقباه في أيام دورة كأس العالم عند الانتهاء من الحديدة، لكني أراهن على رجاحة العقل وما تبقى من أخلاق وقيم عربية إسلامية تكبح جماح التصعيد وتجعل مياهنا تسير في مجراها الطبيعي حتى لا يتراكم فيها العفن وتصبح مياهنا آسنة.
 
الشرق القطرية

التعليقات