سعيد الشهابي

سعيد الشهابي

*كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

كل الكتابات
من اتخذ قرار الحرب على اليمن؟
الاربعاء, 19 سبتمبر, 2018 - 09:13 صباحاً

في العامين الاخيرين تصاعدت الدعوات من اطراف دولية واقليمية عديدة لوقف الحرب التي تقودها السعودية على اليمن. جاء ذلك بعد عام ونصف من القصف المتواصل الذي دمر ذلك البلد العربي المسلم العريق، ولم يقتصر على استهداف المناطق العسكرية.
 
وتؤكد التقارير ان اكثر من عشرين الفا من المدنيين قد لقوا حتفهم من بينهم اكثر من 5000 طفل. وتضيف تقارير منظمات الاغاثة الدولية ومن بينها «يونيسيف» و «أطباء بلا حدود» ان طفلا واحدا يموت كل عشر دقائق. وشمل القصف المدارس والطرق العامة والاسواق والمستشفيات وصالات الزواج. وقالت ميرتسيل ريلانو مندوبة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في اليمن «الصراع حوّل اليمن إلى جحيم مقيم لأطفال». وقالت إن أكثر من 11 مليون طفل أو ما يمثل نحو 80 بالمائة من سكان البلاد تحت سن الثامنة عشرة يواجهون خطر نقص الغذاء والإصابة بالأمراض والتشرد والنقص الحاد في الخدمات الاجتماعية الأساسية.
 
الدعوات التي اطلقت لوقف الحرب وجهت للسعودية بشكل اساس، ومعها الامارات.
 
وكان امرا مثيرا للاستغراب عدم استجابة حكومتي البلدين لتلك الدعوات برغم قوتها وبرغم الشجب المتواصل لاعمال القصف، فهل انهما تمتلكان حصانة دولية بهذا المستوى؟ ام ان قرار شن الحرب والاستمرار فيها او وقفها ليس بايدي حكامهما؟ كان لافتا للنظر ايضا انه حتى عندما تعرضت السعودية لشجب من الأمم المتحدة التي اضافتها للقائمة السوداء في تقريرها السنوي للعام 2015 عن الأطفال والصراع المسلح، واجه الامين العام للامم المتحدة السابق، بان كي مون، ضغوطا لم يفصح عنها، وتم حذف السعودية من القائمة المذكورة. فما الذي يحدث؟ وهل حقا ان الحرب قرار سعودي ـ اماراتي؟ ام انها حرب بالوكالة؟ ثم من الذي يخوض حربا بالوكالة؟ التحالف الذي تقوده السعودية (نيابة عن امريكا واسرائيل) ام الشعب اليمني بقيادة انصار الله (نيابة عن ايران)؟
 
في الشهر الماضي استهدفت قوات التحالف الذي «تقوده» السعودية باصا ينقل اطفالا عند سوق شعبية بمحافظة صعدة وقتلت اكثر من 60 شخصا نصفهم من الاطفال. وقد حدثت ضجة عالمية وصدرت استنكارات من جهات شتى ضد القصف الذي يستهدف المدنيين بشكل مباشر منذ سنوات والذي اعتبره الكثيرون «جرائم حرب». كما صدرت دعوات صاخبة لوقف الحرب.
 
ولكن لوحظ هذه المرة ان كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا تصدرتا المشهد وقامتا بعدة خطوات. أولا: انهما حاولتا اسكات الدعوات المطالبة بوقف الحرب، ولم يصدر عن اي من مسؤولي الدولتين دعوة لوقف العدوان. ثانيا: انهما منعتا بشكل متواصل تشكيل لجنة دولية مستقلة لتقصي الحقائق في الحرب المتواصلة، واصرتا على ان يتم التحقيق تحت اشراف الدول المتورطة في الحرب مباشرة. ثالثا: ان واشنطن تصدرت المشهد ووفرت ذريعة لعدم اتخاذ اي اجراء دولي حقيقي ضد السعودية والامارات بادعائها ان المعتدين يسعون لتفادي استهداف المدنيين.
 
وفي يوم الخميس الماضي قالت الخارجية الامريكية ان ذلك التحالف «يتخذ خطوات لتقليص الخسائر في صفوف المدنيين». جاء ذلك التصريح لدعم شهادة في الكونغرس من وزير الخارجية مايك بومبيو سعى فيها للحيلولة دون فرض قيود على المساعدات الأمريكية للمملكة. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية هيذر ناورت في إفادة صحافية: «من وجهة نظر الحكومة الأمريكية وهذه الإدارة فإنهم يتخذون خطوات في الاتجاه الصحيح».
 
رابعا: ان كلا من واشنطن ولندن رفضتا وقف تزويد السعودية بالسلاح الذي يستخدم في الحرب على اليمن، وتقول الارقام المتوفرة انه منذ بدء الحرب فان امريكا زودت السعودية باسلحة هجومية تجاوزت قيمتها 60 مليار دولار، فيما بلغت الصادرات البريطانية للسعودية اكثر من عشرة مليارات دولار منذ بدء الحرب. خامسا: ان كلا من واشنطن ولندن لم تقفا مكتوفتي اليد امام دول الاتحاد الأوروبي التي يسعى بعضها لفرض حظر على تزويد السعودية بالسلاح. فقد ضغطتا تحت الستار على السويد لاجبارها على سحب التصريحات التي ادلت بها وزيرة خارجيتها حول اوضاع حقوق الانسان في السعودية، وفعلتا كذلك مؤخرا مع اسبانيا التي اعلنت الاسبوع الماضي انها ستوقف شحنة عسكرية للسعودية تشمل 400 قنبلة موجهة. وفي غضون 48 ساعة اعلنت مدريد تراجعها عن ذلك القرار.
 
وتتعرض دول مثل كندا وبلجيكا والمانيا وفنلندا لضغوط انكلو ـ امريكية واسعة للتراجع عن قرارات فرض حظر عسكري على السعودية.
 
ماذا يعني ذلك؟ هل الحرب كانت قرارا سعوديا ـ اماراتيا ام انه انكلو ـ امريكي ـ اسرائيلي؟ منذ بداية الحرب لم تخف واشنطن او لندن دورهما في تلك الحرب. بل ان وزير الدولة البريطاني لشؤون الدفاع، اللورد هاو قال امام البرلمان في تموز/يوليو 2015 ان بلده تدعم السعودية في حربها على اليمن في مجالات ثلاثة: تزويدها بالصواريخ والقنابل الموجهة، والمعلومات الاستخبارية حول اليمن وخبراء بريطانيين يعملون بمراكز القيادة والتحكم في الرياض. كما ان واشنطن أرسلت قوات خاصة إلى الحدود السعودية لمساعدة الجيش السعودي في استهداف الصواريخ البالستية التي تطلقها القوات اليمنية على الاراضي السعودية.
 
 وفي وقت سابق من هذا العام، نشر فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة تقريرا يقدم دليلا على أن أنظمة بيفواي المصنعة في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة قد استخدمت في تسع ضربات جوية؛ وأسفرت عن مقتل 84 مدنياً (مع إصابة 77)، 33 منهم في حادثة واحدة، عندما ضربت قنبلة شديدة الانفجار، بمساعدة نظام توجيه بيفواي، أحد الفنادق في أرحب في 23 آب/أغسطس 2017. وهذا بالتأكيد ليس إلا جزءاً ضئيلاً مما وقع.
 
في ضوء الحقائق المذكورة يتضح ان الحرب على اليمن لم تكن قرارا سعوديا خاصا، بل انه قرار انكلو ـ امريكي ـ اسرائيلي مدروس يهدف لتحقيق امور عديدة: اولها ما يقال عن التصدي للنفوذ الايراني في المنطقة، ومنع وصول ذلك النفوذ الى باب المندب الحيوي.
 
 ثانيها: ابقاء اسباب الخلاف والاختلاف السياسي والايديولوجي والديني مشتعلا في الشرق الاوسط لمنع التوجه نحو توافق عربي ـ اسلامي شامل.
 
ثالثها: الاستحواذ على الاموال النفطية التي كدستها السعودية والامارات في السنوات العشر السابقة، تحت عناوين الدعم العسكري وصفقات السلاح، رابعها: ابقاء حالة الاستقطاب السياسي والفكري في الشرق الاوسط وتعميق التصدعات في جسد الامة لمنع حدوث تقارب سياسي او امني او عسكري اقليمي يظهر قوة الوحدة في مقابل الاحتلال الاسرائيلي والهيمنة الغربية.
 
 خامسها: حماية خطوط الملاحة في البحر العربي والبحر الاحمر لضمان امن «اسرائيل» سياسيا واقتصاديا.

سادسها: منع تبلور اوضاع سياسية وامنية هادئة تدفع الشعوب للنهضة والاستقلال وتقرير المصير، خصوصا بعد تجربة الربيع العربي التي كادت تعصف بالانظمة الحليفة للولايات المتحدة الامريكية.

* عن القدس العربي

التعليقات