سيِّد الشرق الأوسط الجديد الذي يخطب الجميع ودَّه
- هاف بوست عربي الاربعاء, 04 أكتوبر, 2017 - 09:22 صباحاً
سيِّد الشرق الأوسط الجديد الذي يخطب الجميع ودَّه

الإسرائيليون والأتراك، والمصريون والأردنيون - كلهم يشقون طريقهم إلى الكرملين على أمل أن يتمكَّن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سيد الشرق الأوسط الجديد، من تأمين مصالحهم وإصلاح مشاكلهم.

وآخر هؤلاء هو العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي من المزمع أن يصبح هذا الأسبوع أول عاهل للمملكة الغنية بالنفط يزور موسكو. وسيتصدر جدول أعماله كبح جماح إيران، التي تُعد حليفاً روسياً وثيقاً وتعتبرها معظم دول الخليج العربي عدواً لدوداً، حسب تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية.

كيف أحال أميركا للتقاعد؟

وحتى وقت قريب للغاية، كانت واشنطن، دون سواها، هي الوجهة التي ينشدها أولئك القادة.

أما الآن، فيشهد النفوذ الأميركي في المنطقة تراجعاً ملحوظاً، الأمر الذي يمثل شهادة على نجاح التدخُّل العسكري الروسي في سوريا، الذي دعم الرئيس السوري بشار الأسد بعد سنواتٍ من إصرار الولايات المتحدة الأميركية على ضرورة تنحيه عن السلطة.

وقال دينيس روس، كبير المفاوضين الأميركيين في عملية السلام بالشرق الأوسط سابقاً والمستشار السابق لعدة رؤساء أميركيين، بدءاً من جورج بوش الأب وحتى باراك أوباما: "غيَّر هذا الواقع، وغيَّر توازن القوة على الأرض. لقد نجح بوتين في جعل روسيا فاعلاً في الشرق الأوسط؛ ولهذا نرى سيلاً متصلاً من الزوار الذين يقصدون موسكو".

لكن للنجاح مشاكله؛ فمع تضارب الطلبات المتراكمة لدى موسكو، ليس من السهل أن يعود كل هؤلاء الزوار إلى بلادهم راضين. وفي هذا الصدد، قال روس: "كلما حاول المرء تبني موقف يتعامل مع جميع الأطراف، وجد الأمر عسيراً للغاية".

لقد كانت موسكو قوة عظمى في الشرق الأوسط إبَّان الحرب الباردة؛ إذ كانت تتولى تسليح الدول العربية ضد إسرائيل. لكنَّ نفوذها هذا انهار بانهيار الشيوعية. وعندما غزت الولايات المتحدة العراق للإطاحة بصدام حسين، كانت روسيا مجرد متفرج لا يقوى على شيء سوى الاحتجاج.

لكنَّ الأحوال بدأت تتبدَّل عام 2013، حين قررت الولايات المتحدة في ظل رئاسة باراك أوباما عدم شن هجومٍ على الرئيس السوري بشار الأسد؛ إذ أرسل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعدها بعامين قوات وطائرات للدفاع عن ذلك الأخير. 

الأسد وأردوغان

كان أغلب حلفاء أميركا المحليين من المناصرين بقوة لضرورة تنحي بشار الأسد عن السلطة، وبالتالي أُصيبوا بخيبة أملٍ عندما لم تُستخدَم القوة العسكرية الأميركية لإجباره على مغادرة السلطة.

تعقيباً على ذلك، قال الدكتور خالد باطرفي، الأستاذ بجامعة الملك فيصل فرع جدة بالمملكة العربية السعودية، إنَّ نفوذ روسيا في المنطقة تنامى "لأنَّ أوباما سمح بذلك؛ فهو للأسف قد انسحب من الشرق الأوسط إلى حدٍ كبير".

ويحظى هذا الرأي بانتشارٍ واسع، حتى أنَّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي ظل لأعوام يحث الولايات المتحدة على اتخاذ أي إجراء ضد الرئيس السوري، قد عبَّر عنه صراحةً الشهر الماضي سبتمبر/أيلول 2017؛ فقال إنَّ المحادثات مع الولايات المتحدة "لم تسفر عن أي نتائج".

في الوقت الراهن، انضمت تركيا إلى روسيا وإيران من أجل وضع خطة تهدف للتخفيف من حدة الصراع السوري.

وبحسب الرئيس التركي، فإنَّ الخطة "تؤتي ثمارها". لكن منذ عامين، كانت التوترات بين بوتين وأردوغان تبلغ من الخطورة ما يهدد بالاستفحال، وذلك بعدما أسقط الجيش التركي مقاتلة روسية على الحدود مع سوريا.

أما يوم الجمعة الماضي، 29 سبتمبر/أيلول، فقد توجَّه الرئيس الروسي إلى أنقرة لتناول العشاء مع نظيره، و"صديقه"، التركي الذي وافق على شراء منظومات صواريخ الدفاع الجوي الروسية من طراز إس-400، مثيراً بذلك غضب بقية الدول الأعضاء بحلف شمال الأطلسي "الناتو". 

"ها قد أتى الملك!"

في الوقت نفسه، بدأ السعوديون، الذين كانوا فيما مضى يمولون قوات المعارضة في صراعها مع الرئيس السوري بشار الأسد، يتعاونون مع روسيا لإقناع المعارضة بالاتحاد من أجل محادثات السلام، التي يُرجَّح أن تثبِّت أقدام الرئيس السوري في السلطة.

وقد رحَّب أغلب حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بتغيُّر الرئيس الأميركي، وبخطاب الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب الحاد بشأن تحدي إيران. لكنَّه مع ذلك التزم بالسياسة التي اتبعها سلفه إزاء سوريا، والتي تُركِّز على محاربة تنظيم"داعش" بدلاً من محاربة بشار الأسد.

ومع تراجع هدف تغيير النظام في سوريا، تغيَّرت الأولويات، وتحول السعوديون والقوى الخليجية الأخرى إلى حث روسيا على تقييد دور إيران في سوريا، حيث أمدَّ حزب الله وغيره من الميليشيات الشيعية المدعومة من طهران بقوات مغاوير لمساعدة الأسد في المعارك التي يخوضها.

وبهذا الصدد، قال عبد الخالق عبد الله، وهو محلل سياسي مقيم في الإمارات العربية المتحدة: "من الأجدر بروسيا ألا تؤيد طرفاً بعينه، هذه هي الرسالة الرئيسية. وها هو العاهل السعودي، بكل ثقله الجيوسياسي، ومُمثِّلاً لدول الخليج العربية، قد أتى إلى روسيا، وعلى موسكو أن تضع هذا في الحسبان".

لكن بحسب مصدر مقرب للكرملين، لن يغيِّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من موقفه حول إيران إرضاءً لرغبات السعودية.

طلبات نتنياهو 

فحتى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاقى صعوبة في إقناع الرئيس الروسي بتغيير موقفه هذا بعد أن زار روسيا 4 مرات في الأشهر الـ18 الماضية.

ففي أغسطس/آب 2017، قال نتنياهو للرئيس الروسي بوتين إنَّ موطئ قدم إيران المتنامي في سوريا "غير مقبول".

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، قال في تصريحٍ لشبكة سي إن إن الأميركية إنَّ الإيرانيين يحاولون "استعمار" سوريا بهدف "تدميرنا وغزو الشرق الأوسط".

ورفضت روسيا، طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بإقامة منطقة عازلة داخل سوريا تُبعد قوات إيران وحزب الله عن الحدود السورية-الإسرائيلية بـ60 كيلومتر (37 ميلاً) على الأقل، وذلك حسب ما قاله شخصٌ مُطَّلع على الموضوع في موسكو.

وأضاف هذا الشخص أنَّ روسيا عرضت إقامة منطقة حظر تمتد لخمسة كيلومترات بدلاً من ذلك.

كما رفضت روسيا أيضاً طلب الولايات المتحدة باعتبار نهر الفرات خطاً فاصلاً بين القوات الحكومية السورية والقوات المدعومة من الولايات المتحدة شرقيّ سوريا. وقد أدَّى ذلك إلى سباقٍ من أجل السيطرة على الأرض من قبضة مقاتلي داعش المتقهقرين في منطقةٍ استراتيجية حدودية غنية بالنفط.

مع ذلك، نجحت روسيا في إبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع جميع الأطراف، من إيران إلى المملكة العربية السعودية، ومن حركة حماس الإسلامية الفلسطينية إلى إسرائيل، وذلك وفقاً لأيهم كامل، مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجموعة أوراسيا.

ومع أنَّ موسكو لم توافق على مطلب إقامة المنطقة العازلة، فإنَّ لديها تفاهماً ضمنياً يسمح لإسرائيل بشن ضربات جوية على حزب الله في سوريا، وذلك وفقاً لما قاله آندريه كورتونوف، المدير العام لمجلس الشؤون الدولية الروسي، وهو عبارة عن مجموعة بحثية أنشأها الكرملين.

حماس وروسيا 

وظلَّت روسيا تتوسط، إلى جانب مصر، من أجل إنهاء الخلاف الداخلي الفلسطيني الممتد منذ 10 سنوات بين حركة فتح في الضفة الغربية وحماس في قطاع غزة.

كما دعا بوتين الفصائل الليبية المتنافِسة إلى موسكو بعد فشل سلسلةٍ من جهود السلام التي قامت بها بلدان أخرى. وأصبحت روسيا مستثمراً رائداً في إقليم كردستان العراق الغني بالنفط، وكانت واحدة من القوى الدولية القليلة التي امتنعت عن إدانة استفتاء الإقليم مؤخراً على الاستقلال.

ومن الناحية الاقتصادية، يبدو سباق النفوذ غير متكافئ؛ إذ يبلغ الناتج المحلي الإجمالي الأميركي 13 ضعف الناتج المحلي الإجمالي الروسي. لكنَّ ألكسندر زوتوي، سفير موسكو لدى سوريا في الفترة بين 1989 و1994، يقول إنَّ ذلك ليس هو العامِل الحاسم دائماً.

وقال: "أحياناً، يكون لديك ملاكمان في الحلبة، أحدهما ضخم ولديه عضلات منتفخة، والآخر أصغر حجماً لكنَّه رشيق ويمتلك أسلوباً أفضل".

وجاء الصعود الروسي في الوقت الذي تزايد فيه انشغال صانعي السياسة الأميركيين بآسيا، وأصبح الجمهور الأميركي منهكاً من حروب الشرق الأوسط، وهو الشيء الذي أقرَّ به كلٌ من أوباما وترامب.

وقال كامل: "تظل واشنطن قوة لا غنى عنها في المنطقة". لكنَّ التزامها تجاه حلفائها التقليديين يضعف، كما يقول كامل، وهذا شجَّع القادة الإقليميين على تقليل مخاطر رهاناتهم. وأضاف: "لقد أصبح الكرملين حاضراً في أذهان الجميع".


التعليقات