الغارديان: ما الذي جعل الربيع العربي يشتعل مرة ثانية؟
- وكالات الاربعاء, 24 يناير, 2018 - 10:29 صباحاً
الغارديان: ما الذي جعل الربيع العربي يشتعل مرة ثانية؟

نشرت صحيفة "الغارديان" (الأوبزيرفر) مقالا للصحافية إما غراهام-هاريسون، حول الاحتجاجات التي تجتاح تونس.
 
 وتقول الكاتبة إن أهالي قرية بلطة اضطروا لترك قريتهم للاحتجاج، حتى وصلوا إلى أقرب خط سريع، حيث قام العشرات بإغلاق الطريق، وطالبوا الحكومة بمعالجة قلة الوظائف والفساد المستشري والخدمات العامة المترنحة، التي تعاني منها هذه القرية الجميلة.
 
 وتستدرك هاريسون في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، بأنه مع أن هذه القرية نائية، إلا أنها كانت سباقة في الاحتجاجات، حيث تبعتها المدن والبلدات الأخرى في تونس بعد أسبوعين، وتحولت بعض تلك الاحتجاجات إلى عنف أحيانا، حيث قتل شخص واعتقل المئات.
 
 وتشير الكاتبة إلى أن القانون الجديد، الذي سيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، بما في ذلك الطعام والوقود، كان هو الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات، مستدركة بأنه يقف خلفها سنوات من الإحباط؛ بسبب فشل الحكومة، وبسبب عدم تنفيذ وعودها، خاصة ما يتعلق بتوفير الوظائف لمئات آلاف الشباب.
 
 وتقول هاريسون إنه "بعد سبع سنوات من الثورة التي أطاحت بالديكتاتور زين العابدين بن علي، التي أشعلت الربيع العربي، عاد التونسيون إلى الشارع، وردت السلطة عليهم بقسوة".
 
 وتضيف الكاتبة: "يبدو أنها قصة النجاح الوحيدة من عام 2011، حيث تم بناء الديمقراطية فيها بينما انحدرت البلدان الأخرى إلى الحرب، وعادت إلى الديكتاتورية، وبدأت تترنح، ومرة أخرى الشباب الذين يعانون من الفقر والبطالة هم في قلب تلك الاحتجاجات".
 
 وتلفت هاريسون إلى أن "هناك أسبابا كثيرة للقلق بشأن مستقبل تونس، من الأعداد الكبيرة للعاطلين عن العمل، إلى الاقتصاد المترنح، إلى التضخم المتزايد، إلى العملة المتراجعة، إلى الفساد إلى هجمات المتطرفين، التي أثرت سلبا على السياحة".
 
 
 وتنقل الكاتبة عن الخبير الديمغرافي ريتشارد سينكوتا من مركز ستمسون، وهو مركز فكري ذو اهتمامات عالمية، قوله إن هناك أسبابا كثيرة تدعو للتفاؤل، مشيرا إلى أن إحدى إيجابيات تونس أن شعبها يشيخ ببطء، ويضيف سينكوتا: "الرابط بين الديمقراطية الليبرالية والبنية العمرية -التوازن بين صغار وكبار السن- هو العلاقة الأكثر تجريبا في الديمغرافية السياسية".
 
 
 ويقول سينكوتا إن سنوات من دراسة العلاقة جعلته يتنبأ في 2008، أي قبل الإطاحة بابن علي بثلاث سنوات، بأن بلدا من شمال أفريقيا سيصبح ديمقراطية مستقرة خلال أكثر من عقد بقليل، حيث أن تونس هي المرشح الأكثر حظا.
 
 وتفيد هاريسون بأن سياسات ابن علي وقبله الحبيب بورقيبة شجعتا النساء على التعلم والعمل، ما قلل من عدد الأطفال لدى كثير من العائلات، ولذلك فإن المجتمع التونسي يشيخ ببطء، حيث معدل العمر 30 عاما.
 
 
وتعلق الكاتبة قائلة: "ليس صدفة أن تكون هذه هي نقطة تحول بلدان، مثل البرتغال وتايوان وتشيلي، إلى الديمقراطية، وهو ما يجعل سينكوتا متفائلا بحذر بأن دستور تونس الجديد سيتجاوز حتى الاضطرابات الأخيرة".
 
 
ويقول سينكوتا: "لا يمكن لأحد أن يكون متأكدا من مستقبل تونس الديمقراطي، لكن الديمغرافيين السياسيين يراهنون على أن (انهيار النظام الديمقراطي) لن يحصل، أو أنه إن تراجع قليلا، فإن حكومة تونس ستعيد بناء مؤسساتها الديمقراطية".
 
 
 ويضيف الخبير: "كلما نضجت البنية العمرية تعاني البلدان من عدد أقل من الصراع المدني، وقد تقع الاحتجاجات، وقد لا تحظى الحكومات بالشعبية، لكن الحرب الأهلية ليست شائعة في البلدان التي يكون فيها العمر الوسيط أكثر من 26 عاما".
 
 وتبين هاريسون أن "بلدان الربيع العربي الأخرى، خاصة تلك التي فيها شباب أكثر، هي أقل حظا؛ بسبب نسبة الشباب العالية، ففي كل من مصر وسوريا واليمن شكل المراهقون والشباب في أوائل العشرينيات الزخم الأساسي للانتفاضات الشعبية، لكن كون المجتمعات في هذه البلدان مجتمعات شابة، حيث المعدل في اليمن أقل من 20 عاما، وفي كل من مصر وسوريا أعلى بقليل، يعني أن الاستقرار كان أصعب تحقيقا بعد أن أسقط الحكام الديكتاتوريون، وانحدرت بلدان منها في الحرب الأهلية، في الوقت الذي عادت فيه الديكتاتورية إلى مصر".
 
 وتنوه الكاتبة إلى أن "نسبة الشباب لا تزال عالية في كل من سوريا واليمن، وهو ما يعني أنه حتى لو استطاعوا التخلص من الحروب المرة قد يكون أمامهم سنوات من عدم الاستقرار، وحتى مصر، التي كانت تبدو أن مجتمعها يشيخ نحو الاستقرار، شهدت زيادة في المواليد، ما ينذر بنسبة شباب زائدة تسبب زعزعة الاستقرار".
 
 وتقول هاريسون: "لا يمكن اعتبار أن أيا من التوجهيين يحدد مستقبل البلد بشكل مؤكد، فجارة تونس، التي تشكل أكبر قلق لحكومة تونس، ليبيا، تحولت من خلال الحرب الأهلية إلى مصدرة للجهاديون، وزعزعوا الاستقرار عبر حدودها الصحراوية، فلديها مجتمع ناضج عمريا، حيث كانت النسبة عام 2010، 26 عاما، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، لكنها انحدرت إلى الحرب الأهلية بعد الإطاحة بمعمر القذافي".
 
 وتذهب الكاتبة إلى أن "الاستقرار لا يعني دائما الديمقراطية، فهناك بلدان مثل الصين، حيث يحكم حزب واحد أو ديكتاتور كاريزمي، في الوقت الذي شاخ فيه المجتمع، تستفيد من وجود عدد أقل من الشباب الساخطين الذين يسعون للتغيير".
 
 وتقول هاريسون إنه "ربما يكون أخطر ما يواجه تونس في وقت تسعى فيه للاحتفاظ بمكاسبها الديمقراطية هو البطالة التي تواجه الشباب، التي كانت شرارة الثورة ولم تحل إلى الآن، وأي حل يمكن لتونس أن تجده سيحولها ليس فقط إلى مشعل للاستقرار السياسي، بل إلى الأمل الاقتصادي".
 
 وتضيف الكاتبة: "ربما لأن انتشار الديمقراطية والحريات السياسية الغرب يخدم المصلحة الغربي، فإن التقارير الغربية قبل سبع سنوات ركزت على تغيير حكومة تونس، لكن كانت للثورة ثلاث شعارات، هي الحرية والعمل والكرامة، وكلها مهمة بالنسبة لمن قام بالثورة، ويشعر الكثير بأنهم لم يحصلوا سوى على واحدة من الثلاثة، وهناك عدد كبير من خريجي الجامعات الذين لا يجدون عملا، حتى أنهم قاموا بإنشاء اتحاد غير تقليدي يطالب بحقوقهم".
 
 وتشير الكاتبة إلى أن "الإحصائيات الرسمية ليست بتلك السوداوية، لكن زعيم الخريجين سالم العياري يقدر بأن هناك 900 ألف تونسي يبحثون عن العمل، نصفهم تقريبا من الخريجين، وهذا العدد هو ضعف عدد الباحثين عن عمل في 2011".
 
 وتورد الصحيفة نقلا عن العياري، قوله: "إن النظام الاقتصادي هو الذي دفعنا إلى الثورة وبعد ذلك، ولم يقم السياسيون المسؤولون عن النظام بإصلاحه"، حيث يأمل بأن تدفع الاحتجاجات المسؤولين، وكثير منهم من بقايا إدارة ابن علي، للتركيز بشكل أكبر على الإصلاحات السياسية والاقتصادية.
 
 وتلفت هاريسون إلى أن "الوضع الاقتصادي في تونس ساء في وقت أزهرت فيه الديمقراطية سياسيا، ويشعر الكثير من الطبقة المتوسطة بالضيق الاقتصادي، أكثر مما كان عليه الأمر تحت حكم ابن علي، بالإضافة إلى أن الفساد والإجراءات البيروقراطية أعاقت الذين يسعون لإنشاء أعمال، كما أن النظام التعليمي ليس مواكبا للاقتصاد، حيث يخرج أشخاصا جاهزين للعمل في الوظائف الحكومية، في الوقت الذي تبحث فيه الشركات عن خريجي علوم وفنيين".
 
 وتبين الكاتبة أنه "حتى بالنسبة للتونسيين الذين حصلوا على وظائف حكومية فإنهم يعيشون في عالم النسيان، فتم تعيين حوالي 80 ألف شخص في مناصب مؤقتة بعد ثورة 2011، حيث حاولت الحكومات الجديدة أن تفي بوعودها للناس الذين أوصلوها للحكم، وبعد سنوات طويلة يبقى هؤلاء يعملون برواتب قليلة، وزيادات تصل إلى 90 جنيها إسترلينيا في الشهر دون إجازات أو حتى إجازات مرضية، وخوف دائم من الفصل".
 
 وتذكر هاريسون أن كوثر البالغة من العمر 41 عاما تعمل في مكتب، وهي أم لرضيع عمره 4 أشهر، وقضت أشهر حملها الأخيرة في ثياب واسعة؛ حتى لا يلاحظ أحد أنها حامل فتفصل من العمل، وليس لها حق في إجازة حمل.
 
 وتقول كوثر للصحيفة إنها شعرت أنها تمثل، لكن لحسن حظها فإن المسؤولين تغاضوا عنها بدلا من رفع تقرير، وأخذت أسبوعي إجازة غير مدفوعة ثم عادت للعمل وتقول إنها لا تزال تعاني من الألم وتفتقد رضيعها، ومع ذلك فهي تعد نفسها محظوظة، فالكثير بلا وظيفة، وكثير منهم في بلدات صغيرة ونائية مثل بلطة، حيث يقول السكان المحليون إن واحدا من كل عشرة فقط من الشباب وجد عملا، علما بأن معظمهم أنهى الثانوية، وكثيرا منهم يحملون شهادات جامعية.
 
 وتقول الكاتبة: "كان يمكن أن تكون حظوظ هذه البلدة أفضل، حيث تصدر رياضيين على مستوى عال، وقد تجذب السياح أشجار زيتون معمرة على تلة تحت الآثار الرومانية، لكنها غير مستغلة، حيث تم بدء بناء بيت ضيافة، لكنه توقف قبل الانتهاء منه".
 
 وتنوه هاريسون إلى أن البطالة بين الشباب أدت إلى انجذابهم للجماعات المتطرفة، فصدرت تونس مقاتلين ألى سوريا أكثر من أي بلد آخر، كما أن المتطرفين فيها قوضوا الاقتصاد السياحي بهجومي متحف باردو وسوسة بعد ثلاثة أشهر، مشيرة إلى أن البطالة أدت أيضا إلى مغامرة المزيد من الشباب بالرحيل على قوارب الموت إلى أوروبا.
 
 وتنقل الصحيفة عن قصي بن فريج (22 عاما)، الذي يعد المنسق للمنظمة الشعبية التي تقوم بتنظيم احتجاجات شهر كانون الثاني/ يناير، قوله: "هناك حالات انتحار، وكثير من الناس يموتون لأنهم يحاولون عبور البحر بشكل غير قانوني".
 
 
وتذكر الكاتبة أن حركة الاحتجاج تدعى "فيش نستاننيو" وتعني "ماذا تنتظر؟"، ويحشد الشباب الذين يشعرون بأنه تمت خيانة ثورتهم، ويشيرون إلى سجل بيجي قايد السبسي الذي كان رئيسا للبرلمان إبان حكم ابن علي، وإلى الاعتقالات واسعة النطاق خلال الاحتجاجات. 
 
 وتفيد هاريسون بأن الحركة تدعو إلى حملة ضد الفساد، واستثمار أكبر في الشباب، الذين يريدون بدء أعمالهم، وإصلاحات ضريبية، حيث يتم فرض ضرائب أكثر على الشركات الكبيرة والأثرياء بدلا من الناس العاديين، لافتة إلى أن هذا البرنامج يجد شعبية بين الشرائح السياسية كلها.
 
 وتورد الكاتبة أن عضو البرلمان ووزير التوظيف السابق نوفل جمالي يرغب أن يرى حملة ضد المتهربين من دفع الضرائب، ونهاية للفساد، لكنه يخشى أن الحكومة -مع أنها تضم حزبه الإسلامي المعتدل "النهضة"- تنقصها الجرأة للتغيير، حيث قال: "نعلم أنه لإصلاح بلد نحتاج اتخاذ قرارات صعبة لعدد كبير من التونسيين، لكن يجب أن نشرح ذلك لهم".
 
وتخلص هاريسون إلى القول إن "القانون الذي كان سببا في اندلاع الاحتجاجات، الذي تقول الحكومة إنه مصمم ليفى بشروط صندوق النقد الدولي لتقديم قرض للحكومة، لا يعالج أسباب تعثر النمو الاقتصادي".


التعليقات